قال الله تعالى:﴿يَا
أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ {6} الَّذِي
خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ {7}﴾[1] وقال تعالى: ﴿لَقَدْ
خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾.
قال ابن كثير: أي، جعلك سويًا مستقيمًا، معتدل القامة
منتصبها في أحسن الهيئات والأشكال.
وقال ابن كثير أيضًا:
((أنه تعالى خلق الإنسان في أحسن صورة وشكل، منتصب
القامة، سوي الأعضاء حسنها)).
يقول الله تبارك وتعالى:
﴿ثُمَّ
رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ﴾.
قال المفسرون: أي، ثم أنزلنا درجته إلى أسفل سافلين، لعدم قيامه بموجب ما
خلقناه عليه، حيث لم يشكر نعمة خلقنا له في أحسن صورة، ولم يستعمل ما
خصصناه به من المزايا في طاعتنا، فلذلك سنرده إلى أسفل سافلين وهي جهنم.
لقد فرض الله على الإنسان أنواعًا من العبادات لو
أقامها وحافظ على أدائها لما وقى نفسه من دخول جهنم والارتداد إلى أسفل
سافلين فحسب، بل لحافظ على هذا الشكل وهذه الصورة الجميلة السوية المعتدلة،
من انتصاب القامة وتناسب الأعضاء.
فأداء العبادات وأخصها الصلاة هو بحد ذاته وقاية من
أنواع عديدة من العيوب والتشوهات التي تصيب هذه القامة وهذه الأعضاء، فهي
إذن وقاية من عذاب وآلام الدنيا والآخرة.
ولكن الإنسان أفسد بنفسه لنفسه هذا الاستواء وهذا
التقويم الجميل - بتركه للصلاة وسائر العبادات - ترى هذا في الرجال والنساء
فيسوؤك، وتراه في الطفل والطفلة فتقول ما أسرع ما جرى إليهما السوء، وقوام
الأجسام ليس جمالاً فحسب، بل إنه جمال وصحة. واعوجاج الأجسام يصيبها
بالعديد من الأسقام.
فالكثير من الأمراض العصبية المرتبطة بالجسم هي نتيجة
للعيوب القوامية، ومن ناحية أخرى فإن حالة القوام للشخص تؤثر في نظرته
لنفسه من ناحية الاحترام والثقة بالنفس.
القوام المعتدل:
لقد اهتم الإنسان بالقوام منذ آلاف السنين، فكان له في
ذلك محاولات عديدة حاول خلالها تقويم شكل الجسم ووضع معايير نموذجية تحدد
تركيبه وأبعاده...
ورغم تطور النظرة إلى القوام فإلى عهد ليس بالبعيد كان
القوام يقوَّم من خلال وضع الوقوف فقط، ولكن لوحظ أن كثيرًا من الناس
يملكون قوامًا معتدلاً في وضع الوقوف، لكن عند الحركة تظهر عيوب خطيرة في
القوام ، لذلك أصبحت القياسات الحديثة للقوام تتضمن قياس الجسم في الوقوف
والجلوس والرقود والحركة.
ويعتقد البعض أن مفهوم القوام قاصر على شكل الجسم
وحدوده الخارجية فقط، ولكن هذا الاعتقاد لا يعبر عن كل الحقيقة. فبالإضافة
إلى شكل الجسم ومواصفات حدوده الخارجية فإن القوام الجيد هو العلاقة
الميكانيكية بين أجهزة الجسم المختلفة العظمية والعضلية والعصبية والحيوية.
وكلما تحسنت هذه العلاقة كان القوام سليمًا.
وجسم الإنسان عبارة
عن أجزاء متراصة بعضها فوق بعض، فهي كالمكعبات المتراصة في نظام دقيق، فإذا
انحرفت هذه المكعبات عن وضعها الطبيعي أصيب الفرد بما يعرف بالتشوه
(الانحراف) القوامي.
والانحراف القوامي يعرف بكونه:
((شذوذًا في شكل عضو من أعضاء الجسم أو جزء منه،
وانحرافه عن الوضع الطبيعي المسلم به تشريحيًا، مما ينتج عنه تغير في علاقة
هذا العضو بسائر الأعضاء الأخرى)).
والقوام المعتدل يتطلب أن تكون أجزاء الجسم متراصة
بعضها فوق بعض في وضع عمودي، فالرأس والرقبة والجذع والحوض والرجلان يحمل
كل منهما الآخر بما يحقق اتزانًا مقبولاً للجسم، وبما يحدث التوازن المطلوب
في عمل الأربطة والعضلات وأجهزة الجسم المختلفة.
والقوام الجيد، من أهم صفاته تغلب العضلات والعظام
والأربطة والأعصاب على جاذبية الأرض. أما القوام المنحرف أو المعوج أو
الضعيف فأحد أسبابه ضعف مقاومة العضلات لهذه الجاذبية. ولذلك فإن على
العضلات (عضلات القوام) أن تعمل باستمرار ضد جاذبية الأرض وأن تكون في
نشاط دائم حتى تجعله في وضعه القائم.
ففي الإنسان نجد أن هناك مجموعات من العضلات مسؤولة عن
الاحتفاظ بتوازن الجسم في أوضاعه السليمة، حيث إن نظرية القوام السائدة
ترى:
((أن النمو الزائد لمجموعة من العضلات دون أن يقابلها ما
يوازيها وبنفس الدرجة لمجموعة العضلات المقابلة سوف ينتج انحرافًا قواميًا)). وهذه النظرية توضح أن أية قوة لمجموعة من العضلات
سواء أكانت كبيرة أم صغيرة لا يقابلها ما يساويها - فإن قوام الفرد سوف
ينحرف عن الشكل الطبيعي.
وللقوام الجيد تأثير واضح على الناحية الجمالية
والنفسية والصحية للفرد:
فالقوام الجيد يعطي الإحساس بالجمال ويعطي الفرد
مظهرًا لائقًا، كما يساعده في أداء حركاته بطريقة منسقة فيها توافق بين
أجزاء الجسم المختلفة في حين أن الشخص ذا القوام المشوه تنقصه هذه النواحي.
والفرد ذا القوام الجيد غالبًا ما يتمتع بشخصية محبوبة
وقوية بينما قد يشعر ذو القوام المشوه بالاكتئاب والانطواء على نفسه
ومن ثم يتحاشى الظهور في المجتمع ويتجنب الاشتراك في الأنشطة وخاصة تلك
التي تتطلب خلع جزء من الملابس كالسباحة مثلاً.
والصحة نعمة
كبرى يطمح إليها الإنسان في كل مكان وزمان ليتوج بها نفسه، وهي لا توجد إلا
في جسم صحي وقوام معتدل، وهي تساعد أجهزة الجسم الحيوية على أداء وظائفها
بصورة أفضل.
والقوام ليس هو الذي يظل قائمًا معتدلاً لدقائق - ولكن
هو الموجود في كل أوضاع الجسم المختلفة في جميع الأعمال والأنشطة التي يقوم
بها الفرد في حياته اليومية.
التشوه القوامي:
التشوه القوامي كما سبق وأوضحت هو نوع من أنواع
الانحرافات التي تحدث لجزء أو أكثر من أجزاء الجسم. وقد يكون هذا الانحراف
بسيطًا - في حدود العضلات والأربطة - يمكن تداركه بالعلاج عن طريق
التمرينات التعويضية التي يصفها الأطباء والتي عدد كبير منها يشبه حركات
الصلاة، ولهذا فإن الصلاة تعد علاجًا للانحرافات البسيطة، ووقاية منها
بالوقت نفسه.
ومن التشوهات الشائعة:
سقوط الرأس، استدارة الكتفين، تحدب الظهر، تقعر القطن،
تسطح الظهر، تسطح الصدر، تقوس الرجلين، اصطكاك الركبتين، تسطح القدمين،
والالتواء الجانبي للعمود الفقري.
والقوام له ارتباطات بالعديد من المجالات المهمة
للإنسان، فهو مرتبط بالصحة والشخصية والعمل والنمو والنجاح والنواحي
النفسية والسلوكية وممارسة الحركة عامة والأنشطة الرياضية خاصة.
هذا الموضوع منقول من كتاب عدنان الطرشة: «الصلاة
والرياضة والبدن»، والمراجع التي أشار إليها فيه.
www.adnantarsha.com
[1] سورة الانفطار، الآيتان: 6-7.
سورة التين، الآية: 4.
ابن كثير: تفسير القرآن العظيم 514/4.
المرجع السابق 563/4.
سورة التين، الآية: 5 |