«... والصلاة هي أيضًا رياضةٌ للبدن» كثيرًا ما نسمع هذه العبارة من
المشايخ والخطباء عندما يتحدثون عن الصلاة. ولكن هل فكر أحدنا بسبر
أغوار هذا الجانب البدني للصلاة؟ أو هل فكرنا بما نقوم به من حركات في
الصلاة، وما هي الفوائد البدنية التي نجنيها منها؟.
قد لا يكون التفكير في هذا الأمر ضروريًا ما دمنا نعلم أن الصلاة هي عبادةٌ لله
عزَّ وجلَّ. وهذا هو هدف الصلاة الأول والأخير، والله سبحانه وتعالى يجزي من
أقامها وأحسن أداءها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. ولكن
إن كان هذا الجزاء وهذه الفوائد يحصل عليها المسلم في الآخرة فمن رحمة الله
وفضله وكرمه أنه جعل للبدن أيضًا فوائد كثيرة يحصل عليها المسلم في الدنيا، وهي
فوائد عاجلة لا تحصى، يحصل عليها المسلم بالصلاة بطريقة تلقائية دون أن يلقي
إليها بالاً.
ومع أن هذه الفوائد البدنية الدنيوية لا تعد شيئًا بالمقارنة مع الفوائد
والجزاء في الآخرة إلا أنها مهمةٌ جدًا وأثرها كبير على الجسم من الناحية
النفسية والصحية، وجديرة بأن يعلمها المسلم، ليزداد حمدًا وشكرًا لله الذي منحه
هذه الفوائد، وجعل له الصلاة كلها خيرًا، لروحه ونفسه وبدنه، وليعلم غير
المسلمين أيضًا بما تفضل الله به وأنعم على المسلمين من الخير الدنيوي والأخروي
في هذه الصلاة التي لا يوجد مثلها في المنـزلة والمكانة والشكل في أي شريعة
أخرى على وجه الأرض...!.
في وقتٍ من الأوقات كنت أعد تمارين رياضية لتقديمها في التلفاز مساهمة مني في
تقديم وزيادة البرامج النافعة والمفيدة للناس، ومن بين هذه التمارين كان هناك
تمرين يشبه الركوع في الصلاة وهو «ميل الجذع أمامًا» ولا أدري لماذا كلما وصلت
إلى هذا التمرين كان يجري على خاطري باستمرار جملة: «ولكن هذه الحركة نفعلها في
الصلاة أيضًا...!».
ووجدت نفسي أفكر: بأنه لحركة الصلاة أي «الركوع» نفس فوائد هذا التمرين أيضًا..
ورغم علمي السابق بذلك إلا أنها كانت المرة الأولى التي شدت انتباهي على هذا
النحو... ثم توالت عليَّ الأفكار... وانتقلت بالتفكير إلى حركات الصلاة الأخرى،
وفي ذهني «أن الصلاة هي أيضًا رياضةٌ للبدن».
وذلك، كان فاتحة الموضوع، إذ إنني بدأت أفكر باستمرار في هذا الأمر، وأول ما
خطر في ذهني أن أعمله هو أن أحسب عدد حركات الصلاة في اليوم، وبعد أن حسبتها
تعجبت كثيرًا من الأرقام الكبيرة الحاصلة؛ فأثارني ذلك وبدأ هذا الموضوع يشدني
أكثر فأكثر، وبعد عدة مراحل مررت بها هداني الله عزَّ وجلَّ ووفقني إلى فكرة
هذا العمل الذي هو كتاب «الصلاة والرياضة والبدن».
وقد بدأت البحث في الكتب عما إذا كان هناك من تكلم عن الجانب الرياضي في
الصلاة، فوجدت أن المكتبة الإسلامية فقيرة إلى حدٍ ما في ما كتب عن فوائد
الصلاة البدنية، ولم أقف على كتاب شامل مستقل يبحث في هذا الموضوع ويذكر
التفصيل الذي كنت أفكر فيه، وهذا ما شجعني أكثر فأكثر على التفكير جديًا في
تأليف هذا الكتاب، إذ إنني شعرت بأن من واجبي أن أضع لإخواني المسلمين كتابًا
مستقلاً يتناول الجانب البدني للصلاة مفصلاً قدر المستطاع.
ولأن لكل حركة صلاة ثلاثة أوجه: ديني، وطبي، ورياضي. فقد احتجت إلى أن أغوص في
بحار ثلاثة علوم وهي العلوم الدينية والطبية والرياضية، وهي التي اعتمدت عليها
في تأليف الكتاب. وكم كان الأمر مشوقًا وطريفًا في الوقت ذاته عندما كنت أغوص
وأتنقل بين كتب هذه العلوم الثلاثة وغيرها.
ولقناعتي الشديدة بأن فوائد الصلاة البدنية حقيقة لا يستطيع إنكارها أي إنسان،
وأن المختصين في أمور البدن من مدربين رياضيين، وأطباء وغيرهم... لا بد وأنهم
يدركون هذه الحقيقة ويعرفون تفاصيلها كل حسب خبرته واختصاصه.. فقد قمت بجولة
على عدد من الأطباء في تخصصات مختلفة وسألت كل واحد منهم عن: فوائد الصلاة
البدنية التي يراها من وجهة نظر تخصصه.
لقد لمست في هذه الجولة حقيقة مفادها أن الإنسان قد لا يستطيع معرفة أو استخلاص
فوائد الصلاة البدنية حتى ولو كان طبيبًا...! إلا إذا كان له معرفة وخبرة عملية
في الصلاة وحركاتها، أي؛ أنه يواظب على أداء الصلاة، فإذا كان هذا شأن الطبيب
فما بالك بالإنسان العادي...؟!.
فقد قابلت أحد الأطباء المسلمين فقال لي بأنه لا يستطيع أن يفيدني في هذا
الموضوع، فأجبته بأنه يجب أن يكون الإنسان محافظًا على الصلاة حتى يستطيع
اكتشاف فوائدها البدنية ولمسها وإلا فقد لا يستطيع ذلك حتى ولو كان طبيبًا...!.
إلا أنني قد وجدت حماسًا شديدًا من الأطباء الذين قابلتهم بعد ذلك، خاصة بعد أن
حرصت أن يكون هؤلاء من الذين يؤدون الصلاة... بل إن أحدهم -بعد أن علم بموضوع
الكتاب الذي أقوم بتأليفه- قال لي: «أنت أثرت فيَّ حماسًا كنت أفتقده». فقد
يكون لدى طبيب ما علم عن أن للصلاة فوائد بدنية ولكنه أيضًا قد يغيب ذلك عن
باله.
أما الذي كنت أشك في أدائه للصلاة فقد كنت أقول له: إنكم تصفون لمريضكم أن يؤدي
بعض الحركات الرياضية التي تشبه حركات الصلاة، فهل لك أن تصف لي فوائد هذه
الحركات من وجهة نظرك؟.
كان يدور في خلدي أسماء متعددة للكتاب حتى توصلت إلى اسم جديد له هو «الصلاة
والرياضة» وأعطيت نسخة منه لأخي معالي الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ
لمراجعته من الناحية العلمية الدينية وذلك قبل أن يصبح وزيرًا للشؤون الإسلامية
في المملكة العربية السعودية. وقد راجعها حفظه الله وكتب ملاحظاته وناقشني فيها
واقترح أن أضيف كلمة «البدن» إلى العنوان ما دامت فوائد الصلاة تخص البدن،
وهكذا صار اسم الكتاب «الصلاة والرياضة والبدن».
إن كتابًا من هذا النوع يعتمد اعتمادًا كبيرًا على أحاديث رسول الله صلَّى الله
عليه وسلم.. وكنت قد ألزمت نفسي ألا أورد فيه من الأحاديث إلا ما ثبت صحته، وقد
حرصت حرصًا شديدًا على أن يكون كل حديث من صحيح البخاري أو صحيح مسلم ما استطعت
إلى ذلك سبيلاً، فإن لم أجد فيهما ففي غيرهما على أن يكون الحديث صحيحًا أيضًا
والأفضل أن يكون قد رواه وصححه غير واحد من أئمة الحديث، وكم كان لهذا الالتزام
من تعب ومشقة ووقت، ولكن الحمد لله الذي أعانني على ذلك.
وكنت قد توقفت عن العمل في الكتاب لمدة طويلة حيث كنت مشغولاً في تقديم برنامجي
الرياضي «تفضل وتمرن» في تلفاز المملكة العربية السعودية في العام 1409هـ -
1989م، وبعد عام تقريبًا توقف البرنامج وكان هذا التوقف في صالح كتاب الصلاة،
فعدت إلى العمل عليه. وكان قد استغرق تأليفه وإعداده وتجهيزه للطبع حوالي أربع
سنوات، وإن كان العمل فيه لم يكن بصورة متواصلة. وقد صار الكتاب -ولله الفضل
والمنة- مرجعًا في الفوائد البدنية للصلاة، ونُشرت موضوعاته في كثير من مواقع
ومنتديات الإنترنت بما في ذلك مواقع لبعض علماء الدين.
من ناحية أخرى فكرت في تحويل الكتاب إلى حلقات تلفازية، فقمت بتسجيل خمس حلقات
للتجربة وعرضتها على بعض الأخوة، كذلك أعطيت نسخة لفضيلة الشيخ محمد الراوي
لمشاهدتها أيضًا، وقد شجعني الجميع على تنفيذ مثل هذا البرنامج لأنه فريد في
فكرته والموضوع يُطرح بهذا الشكل لأول مرة. فقمت بإعداد ثمان وعشرين حلقة يمكن
أن تعرض في شهر رمضان ولكن لم تأت الفرصة بعد لتنفيذ هذا البرنامج، أو الاتفاق
مع محطة تلفازية لإنتاجه.
عدنان الطَرشَه