قصتي مع كتاب: ماذا يحب الله جلَّ جلاله وماذا يبغض
---------------------------
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه وسلَّم تسليمًا.
لم يكن هذا الكتاب على البال ولا في الخاطر؛ فقد كنت عاكفًا على تأليف كتاب آخر
يختلف موضوعه عن موضوع هذا الكتاب ولزمني التأكد من صحة حديث للنبي صلَّى الله
عليه وسلَّم، وكنت جالسًا أمام الحاسوب فأدرت الكرسي إلى الخلف حيث وضعت
على الطاولة كتاب صحيح الجامع؛ فراجعت الحديث، ولفت نظري أن جميع الأحاديث في
الصفحة نفسها تبدأ بالبداية نفسها وهي: «إن
الله يحب..» فقلت في نفسي وأنا أغلق الكتاب بأنني أحب أن أراجع فيما بعد
جميع هذه الأحاديث التي تبدأ بهذه البداية لأنني أريد أن أتعرف على ما يحب الله
حتى أعمله؛ وإذ كأن أحدًا يقول لي: ولماذا تعرف أنت وحدك، ولما لا تجعل ذلك في
كتاب ليعرفه غيرك من المسلمين أيضًا؟ فقلت في نفسي: ربما أنفذ هذه الفكرة ولكن
فيما بعد. لم يستغرق ذلك سوى ثانية واحدة أو أقل فكانت مجرد فكرة لم أقرر جديًا
تنفيذها، وتابعت عملي في الكتاب الذي كنت مشغولاً به.
وفي الأيام التالية بدأ صدى فكرة هذا الكتاب يتردد في نفسي، وشعرت وكأن هناك
قوى خفية تدفعني وتجبرني على البدء في تأليف هذا الكتاب، حتى ولو توقفت عن
العمل في الكتاب الآخر، ولكن هذا الإجبار أو هذا الدفع والحث كان لذيذ الطعم،
كيف لا والكتابة ستكون عن الله جلَّ شأنه وتقدست أسماؤه وعن ماذا يحب وماذا
يبغض؟ حتى أنني بدأت أشعر أن هذا الكتاب سيكون أعز كتاب على نفسي من بين الكتب
التي قمت بتأليفها. وبدأ الدفع والحث يزداد يومًا بعد يوم حتى اقتحم نومي فصرت
أرى في نومي رؤى عن هذا الكتاب، وبالوقت نفسه بدأ حماسي يفتر شيئًا فشيئًا عن
الكتابة في الكتاب الآخر حتى أنني لم أعد أستطيع أن أكتب كلمة واحدة فيه، وكأن
هناك بابًا أغلق في وجهي عنه في الوقت الذي رأيت فيه الباب مشرعًا للبدء في
تأليف الكتاب الجديد؛ وبدأت...
توقعت في البداية أنها ستكون بضعة آيات وأحاديث ذُكر فيها حب الله، أو بغضه
لأشخاص معينين أو لأشياء أو أمور معينة، ولكن ما إن بدأت حتى وجدت أن هناك
مشروعًا ضخمًا أمامي، فلم أيأس.. فقد كان عليَّ البحث اليدوي في المعاجم
والفهارس وكتب الحديث عن ألفاظ الحب والبغض والكره.. إذ لم تكن برامج الحاسوب
الخاصة بذلك قد ظهرت بعد.. وقد وجدت عونًا كبيرًا لي من الله سبحانه وتعالى
الذي يسر لي البحث والتنقيب والقراءة والاستنباط وغير ذلك مما احتجته في تأليف
الكتاب، وقد ساعدتني زوجتي في بعض مراحل هذا البحث. وكنت قد قررت أنه إلى جانب
آيات القرآن فإنني لن أعتمد في تأليف الكتاب إلا على الأحاديث التي صحت عن رسول
الله صلَّى الله عليه وسلَّم. وهكذا ظهر الكتاب الذي يحتوي على أكثر من مئة
وخمسين موضوعًا مختلفًا، كل منها يصلح أن يكون خطبة جمعة، أو محاضرة، أو درسًا
دينيًا، أو كتابًا ونحو ذلك...
لقد كان من تيسير الله تعالى لي في تأليف هذا الكتاب أنني انتهيت منه في خلال
شهرين فقط، وقبل نشره سلمت مسودة الكتاب إلى أخي وصديقي معالي الشيخ صالح بن
عبد العزيز بن محمد آل الشيخ وزير الشؤون الإسلامية، الذي تعودت فيما سبق من
الكتب ألا أطبع كتابًا إلا بعد أن يطلع عليه ويراجعه، وكان قد قدَّم لكتابين من
كتبي المنشورة. وبعد مراجعة فضيلته للكتاب -وكان ذلك قبل أن يصبح وزيرًا للشؤون
الإسلامية- أثنى عليه كثيرًا وقال في حقه كلمة بليغة وهي: «لم يسبق لي أن
رأيت مثل هذا الجمع». واستأذنني في أن يخطب بعض خطب الجمعة من موضوعات
الكتاب، وقد حضرت بالفعل مع أبنائي بعض هذه الخطب في مسجد الملك عبد العزيز في
حي العليا في الرياض.. وأرجو من الله تعالى أن يكون الكتاب فعلاً فريدًا في هذا
الجمع ومرجعًا في كل ما يحبه الله تعالى ويـبغضه.
أما الهدف من تأليفه؛ فلأجل أن يتعرف الإنسان كائنًا مَن كان على مَن يحبهم
الله، فيعمل من أجل أن يكون واحدًا منهم، حتى يكون له الفوز والنجاة في الدنيا
والآخرة، فقد كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم نفسه يدعو الله تعالى
فيقول: «اللهم... وأسألك حبك، وحب من
يحبك، وحب عمل يقرِّب إلى حبك».
ويتعرف كذلك على من يبغضهم الله، فيحرص على تجنب ما يجعله منهم، وعلى الأعمال
التي يبغضها الله، فيتجنبها حتى لا تكون له الخسارة والعذاب في الدنيا والآخرة،
وقد كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يدعو الله تعالى ويتعوَّذ به قائلاً:
«اللهم إني أعوذ بك من منكرات الأخلاق والأعمال والأهواء».
في بادئ الأمر أسندت نشر الكتاب إلى دار الكتاب والسنة فنفدت الطبعة الأولى في
وقت قصير فتم نشر طبعة ثانية منه فنفدت كذلك، ولما بدأت التعامل مع مكتبة
العبيكان لنشر كتب أخرى طلبوا نشر هذا الكتاب أيضًا ابتداءً من الطبعة الثالثة
وقد وصلنا اليوم إلى الطبعة التاسعة، وقد تُرجم ونُشر باللغة الإندونيسية وكذلك باللغة الأوردية
الباكستانية، وعسى أن ينشر مستقبلاً باللغتين الإنجليزية
والفرنسية وغيرها من اللغات، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
عدنان الطَرشَه