الحمد لله رب العالمين،
والصلاة والسلام على خاتم
الأنبياء والمرسلين نبينا
محمد وآله وصحبه أجمعين.
في أحد الأيام وبينما كنت في
صلاة الجماعة وقرأ الإمام
سورة الفيل: {أَلَمْ تَرَ
كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ
بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1)
أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ
فِي تَضْلِيلٍ (2) وَأَرْسَلَ
عَلَيْهِمْ طَيْرًا
أَبَابِيلَ (3) تَرْمِيهِمْ
بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ
(4) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ
مَأْكُولٍ (5)} أخذت أفكر
في ماهية هذه الحجارة
وخصائصها، وتفكرت أيضًا في
قول الله تعالى عن قوم لوط
عليه السلام وما قالته
الملائكة: {قَالَ فَمَا
خَطْبُكُمْ أَيُّهَا
الْمُرْسَلُونَ (31) قَالُوا
إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى
قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (32)
لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ
حِجَارَةً مِنْ طِينٍ (33)
مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ
لِلْمُسْرِفِينَ}[1].
فالمسلمون الأوائل كانوا
يؤمنون إيمانًا بإمكانية هذه
الحجارة وعلى القدرات التي
زودها رب العالمين بها، ولكن
لم يوجد في عالمهم أمثلة
عملية تمكنهم من معرفة كيفية
عمل هذه الحجارة وطريقة
تصويبها إلى رأس كل شخص
بعينه، حتى وصلنا إلى زمن صار
يوجد فيه أمثلة عملية تمكننا
من إدراك ذلك إذا قارنا
الأسلحة الحديثة والصواريخ
الموجهة والقنابل الذكية، مما
سهل على المسلمين فهم الآيات
التي ذكرت فيها الحجارة
الموجهة إلى أهداف محددة.
فالإنسان قد وصل إلى درجة صنع
أسلحة يمكن تزويدها بإحداثيات
الهدف المطلوب تدميره، فتطير
قاطعة المسافات الطويلة
والبلدان والمدن المتعددة،
وتعلو وتنخفض بحسب التضاريس
حتى تصل إلى الهدف فتسقط في
وسطه وتدمره تدميرًا. فما
بالك بصنع رب العالمين؟!
فبإمكاننا الآن أن نقارن
ونفهم أن الحجارة مزودة
بإحداثيات الشخص المطلوب
إهلاكه فتتبعه حيث كان حتى
تسقط على رأسه فتهلكه.
وهذا تحديدًا ما جاء في تفسير
القرآن عن هذه الحجارة حيث أن
معنى {مُسَوَّمَةً}
أي: معلمة ومكتتبة عند الله
بالأسماء، كل حجر عليه اسم
صاحبه الذي ينزل عليه. وذكروا
في التفسير أنها نزلت على أهل
البلد من قوم لوط، وعلى
المتفرقين في القرى مما
حولها، فبينا أحدهم يكون عند
الناس يتحدّث، إذ جاءه حجر من
السماء فسقط عليه من بين
الناس، فدّمره، فتتبعتهم
الحجارة من سائر البلاد، حتى
أهلكتهم عن آخرهم فلم يبق
منهم أحد.
أما في تفسير الطير الأبابيل
والحجارة في سورة الفيل؛ أن
الله تعالى قد أرسل على أصحاب
الفيل الذين جاؤوا من اليمن
ليهدموا الكعبة وبيت الله
الحرام، طيرًا ومع كل طائر
ثلاثة أحجار يحملها: حجر في
منقاره، وحجران في رجليه، لا
تصيب منهم أحدًا إلا هلك.
وفي هذا الزمن أيضًا قد صار
يوجد من الأسلحة ما يعطينا
القدرة على تصور عمل هذه
الطيور وقدرتها التي زودها
الله بها على التصويب على
أهداف محددة، وهي هذه
الطائرات القاذفة التي تحمل
الصواريخ في أجنحتها وتطلقها
من بعد آلاف الكيلومترات على
أهداف محددة بعد تزويدها
بإحداثيات هذا الهدف فتدمره
تدميرًا.
ورب قائل يقول إن الصواريخ
والقنابل الذكية تطلق على
أماكن ومساحات كبيرة مثل
المباني والمطارات وما شابه
ذلك مما يجعل إصابتها سهلاً،
ويصعب عليه تصور كيفية إصابة
رأس أحدهم تحديدًا، ولكن قد
حدث في زمننا هذا أيضًا
الكثير من الاغتيالات بواسطة
صواريخ كانت موجهة إلى أشخاص
بعينهم فتسقط على رؤوسهم
فتقتلهم دون غيرهم،
فإذا كان هذا هو صنع البشر
فما بالك بحجارة رب العالمين
الذكية التي هي أكثر دقة مما
صنعه البشر ومسماة باسم كل
شخص؟
وهكذا أخي المسلم قد صرت في
زمن ترى فيه الكثير من
الأمثلة العملية التي تسهل
عليك أن تقارن وتتخيل وتؤمن
بصنع الله ومنها هذه الحجارة
الذكية الموجهة على رؤوس
الكفرة والظلمة ممن كتب الله
أن يهلكهم بها فتزداد بذلك
إيمانًا. {صُنْعَ اللَّهِ
الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ
شَيْءٍ}[2].
{إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا
أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ
لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82)
فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ
مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ
وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (83)}[3].
وصلى الله على نبينا محمد
وآله وصحبه وسلَّم تسليمًا.
عدنان الطَرشَة
________________