الحمد لله رب العالمين،
والصلاة والسلام على خاتم
الأنبياء والمرسلين نبينا
محمد وآله وصحبه أجمعين.
قال الله تعالى: {وَأَمَّا
بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ}
[الضحى: 11]. فقد اكتشفت أن
الله عزَّ وجلَّ قد أنعم
عليَّ بنعمة عظيمة قد أنعم
تعالى بها أيضًا على غيري من
الناس، ولكن بعضهم قد لا
ينتبه أنها نعمة من الخالق
تبارك وتعالى ويظنها من صنع
نفسه. قال رسول الله صلَّى
الله عليه وآله وصحبه وسلَّم:
«مَنْ
يُرِدْ اللهُ بِهِ خَيْرًا
يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ»
البخاري. وقياسًا على هذا
الحديث يمكن القول إن من يرد
الله به خيرًا يصلح له نفسه.
فكيف يكون ذلك؟ يكون بأن يسخر
له أناسًا ينبهوه إلى ما فيه
من صفة ذميمة أو خُلق سيئ ما،
أو ما يوجد عنده من عيب أو
خطأ، وكلما نبهوه إلى شيء من
ذلك يبادر فورًا إلى التخلص
منه أو تصحيحه؛ ومع مرور
الزمن تصقل شخصيته ونفسه
وتصبح سويةً وصالحةً وقريبة
من الكمال وقدوة صالحة
للآخرين. ولأن التنبيه على
هذه العيوب يساهم في تهذيب
النفس وصقلها واستقامتها فمن
هنا ورد عن عمر رضي الله عنه
قوله: (رحم الله من أهدى
إليَّ عيوبي)؛ فدعا بالرحمة
لمن ينبهه إلى عيب فيه.
وبالحديث عن تجربتي الشخصية؛
فقد تعودت على أن من ينبهني
على أي شيء من ذلك عندي فإني
لا أرفض ذلك بل أتقبله وأعطيه
خمسين بالمئة؛ أي أن هذا
التنبيه يحتمل أن يكون صحيحًا
ويحتمل أن يكون خاطئًا، فإذا
سمعت هذا التنبيه عن الشيء
نفسه من شخص آخر لا يعرف
الأول ولم يلتق به أبدًا فإني
أجعل هذا التنبيه صحيحًا مئة
بالمئة وأبادر إلى المعالجة
والتصحيح، حتى أنني أصبحت
أرغب في سماع مثل هذه
التنبيهات لأنني وجدت أنها
تصلح من نفسي وتصقلها وتحولها
إلى الأفضل والأحسن وهكذا.
وكمثال على ذلك أن جميع
مؤلفاتي ومقالاتي - ومنها هذا
المقال نفسه – أقوم بعرضها
على المشايخ وطلاب العلم
لإبداء الرأي وإعطاء
الملاحظات؛ وبقدر ما تكون
كمية الملاحظات والآراء يكون
حجم سروري؛ لأنني أؤمن بأن
ذلك سيصب في مصلحة الكتاب أو
المقال ويساهم في إثرائه.
فكيف اكتشفت أن هذه نعمة عظيمة
من الله؟ فكما قيل: (بضدها
تُعرف الأشياء)، فإنني أعرف
عددًا من الأشخاص إذا نصحته
ونبهته إلى خطأ عنده أو عيب
أو صفة ذميمة في نفسه ولو
تلميحًا لم يتقبل ذلك أبدًا!
وربما شتم من ينبهه ووجه له
عبارات قاسية واتهمه بأنه
يفتري عليه وبأن تنبيهه عبارة
عن تهمة باطلة هو بريء منها،
حتى أن بعض هؤلاء يجعلني
أتخيل أنه لو التقى بمئة شخص
متفرقين وبأماكن ومدن مختلفة
على مدى الأيام فنبهه كل منهم
على ذات العيب الموجود عنده؛
فسوف يكون رأيه أنه هو على
صواب وأن كل هؤلاء المئة هم
الذين على خطأ وأنهم يتهمونه
بشيء ليس موجودًا عنده! وهذا
سببه الكبر الذي يمنعه من
تقبل النصيحة والتنبيه ويحرمه
من المبادرة إلى معالجة
وتصحيح ما نبهوه عليه؛ وهو
بهذا الفعل يمنع الناس عن
نصحه ويصدهم عن إرشاده إلى
عيوبه وأخطائه حتى وإن كانوا
من أقرب الناس إليه مثل
والديه أو إخوانه أو زوجته
وأولاده وغيرهم لعلمهم الأكيد
بأنه لن يستجيب بل سيظن بهم
الظنون السيئة؛ مما يجعله
يحافظ على عيوبه في نفسه
ويُشتهر بها بين الناس الذين
يعرفونه فيتعاملون معه بناءَ
على ذلك؛ وهنا عرفت أن تقبل
نصائح الآخرين وتنبيهاتهم عن
العيوب والمبادرة إلى
المعالجة والتصحيح هي نعمة
عظيمة محروم منها هذا الإنسان
وكل من هو على شاكلته. فالحمد
لله الذي بنعمته تتم
الصالحات.
وصلى الله على نبينا محمد
وآله وصحبه وسلَّم تسليمًا.
عدنان الطَرشَة