الرئيسة | الرسائل

رسالة عدنان الطَرشة إلى أهل منتديات الإنترنت

----------------------------------

مسؤولية الكتابة في المنتديات

-------------------------

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

إلى أهل منتديات الإنترنت على مختلف أنواعها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والرياضية وغير ذلك.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

البراءة من المسؤولية:

يحرص أصحاب مواقع الإنترنت أن يثبتوا في الصفحات الرئيسة عبارة مشابهة لهذه العبارة «الموقع غير مسؤول عما ينشر فيه...»؛ وذلك لإعلان براءتهم من مسؤولية الكلام الذي ينشر في مواقعهم ومنتدياتهم. ولكن هل هذا التبرؤ ينفع عند وقوع مشكلة بسبب كتابة ما، وهل فعلاً يُعفى صاحب الموقع أو المنتدى من المسؤولية، وهي مسؤوليتان: مسؤولية أمام السلطات، ومسؤولية أمام الله عزَّ وجلَّ؟!. ففيما يخص المسؤولية الأولى لم نر أبدًا أن هذا التبرؤ قد أنجى صاحب الموقع من المسؤولية، ولطالما حُجِبت أو أُغلِقت مواقع وربما أُودِع أصحابها السجون أو خضعوا للتحقيقات بسبب ما كُتِب فيها. فمن باب أولى أن لا ينجوا من المسؤولية الثانية، وسيُسألون عن كل كتابة بل عن كل كلمة، حتى ولو نجوا من المسؤولية الأولى؛ لأنهم في واقع الحال قد نصبوا منابر يرتقي عليها كل من يرغب في أن يتكلم ويروج ما عنده من أفكار ومفاهيم ومعلومات وغير ذلك مما يحتوي على الغث والسمين، والضار والنافع، والمحرم والجائز. ولو علم صاحب الموقع عظم مسؤوليته أمام الله عما سيُنشر في موقعه.. لما قرر أبدًا أن يفتتح منتدى للناس لكي يكتبوا ما شاؤوا ويدفع هو المال ويتحمل آثام كتاباتهم.

إن بعض أصحاب المنتديات والمشرفين قد يكون لديهم حرص على حذف الكتابات التي فيها ترويج للكفر أو السحر أو الأفكار المنحرفة أو الفحش الجنسي... إلخ، ربما لشعورهم بمسؤولية نشر مثل هذه الأمور، ولكن هذا الشعور بالمسؤولية يختفي عند الكتابات التي تحتوي على الغيبة والنميمة وإثارة الفتنة بين المسلمين، والغمز واللمز بالأشخاص، والطعن واللعن.. وغير ذلك من الأمور التي يحسبونها هينة وهي عند الله عظيمة وعقوبتها أليمة، فيتساهلون في شأنها ولا يبادروا إلى حذفها ظنًا منهم أنها مجرد كلام يتحمل مسؤوليته الذي كتبه فقط، وهذا ينقلنا إلى الحديث عن أعضاء المنتديات الذين ينشرون مثل هذه الكتابات ويظنون بدورهم أن المسؤولية تقع على صاحب الموقع وليس عليهم، وقد يتوهمون بأن استخدامهم لأسماء مستعارة ينجيهم من المسؤولية، وينسون أن الله عالم بهم ومطلع عليهم والملائكة تكتب كل كلمة يكتبونها، وأنه قد كان من الأجدر لهم أن يعلموا خطورة الكلمة ونتائجها قبل كتابتها ونشرها. فرب كلمة جرت إلى حرب...! وليعلموا أن المسلم يتزوج امرأته بكلمة ويطلقها بكلمة واحدة، والكافر يعصم دمه وينتقل من صفوف الكفار إلى صفوف المسلمين بالنطق بالشهادتين وما هي إلا مجرد كلمة يتلفظ بها، وما ذلك إلا لعظيم شأن الكلمة.

الكلمة:

قال الله تعالى: ﴿مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ[1]. إن كل كلمة يكتبها الإنسان وينشرها في مواقع ومنتديات الإنترنت محسوبة له أو عليه، ولها جزاء من جنسها، فإن كانت خيرًا فخير، وإن كانت شرًا فشر، قال الله تعالى: ﴿أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُون[2]. وهذا... حتى يتفكر الإنسان جيدًا بالكلمة، فيتجنب نشر الكلام المحرم أو المكروه لكي لا يُسَجل عليه ذلك في كتابه الذي سوف يقرأه يوم القيامة، وحتى لا يقول إلا خيرًا...! قال رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا، أو ليصمت»[3]. فمَن لم يكن لديه خيرًا أو شك في الكلام فلم يعرف إذا كان فيه خيرًا أم لا، فالأسلم له أن يسكت؛ لأن السلامة لا يعدلها شيء، فهو لا يدري ماذا سوف تكون نتائج كلمته، يقول رسول الله : «إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين ما فيها يهوي بها في النار، أبعد ما بين المشرق والمغرب»[4].

فإن كان هذا هو شأن الكلمة الواحدة، فكيف بالجُمل المحرمة التي دأب الناس عليها في منتدياتهم التي لا تطيب لهم ولا تحلو من دونها، ولا يعملون حسابها ظنًا منهم أنه ليس هناك مؤاخذة على الكلام! وكأنهم لم يعلموا ما قاله النبي لمعاذ رضي الله عنه، قال معاذ: فقلت يا نبي الله وإنَّا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: «ثكلتك أمك يا معاذ! وهل يكب الناس في النار على وجوههم، أو على مناخرهم، إلا حصائد ألسنتهم؟!»[5].

الغيبة:

قال الله تعالى: ﴿وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ[6]. ما هي الغيبة...؟ عن أبي هريرة رضي الله عنه، أنه قيل: يا رسول الله! ما الغيبة؟ قال: «ذكرك أخاك بما يكره» قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: «إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته»[7]. هذه هي القاعدة التي علمنا إياها رسول الله لنعرف بها حد الغيبة، وهي القاعدة التي يجب أن يضعها نصب عينيه كل من يريد أن يتحدث عن أخيه المسلم في غيبته. فالذي يريد أن يتكلم عن أخيه حتى ولو كان فيه ما يقول، ويعلم أنه لو بلغه كلامه لكرهه، فليمسك لسانه عن ذلك، وإن كان لا بد فلا يقل إلا خيرًا، وإن أبى إلا أن يتبع هواه فليعلم أنه صاحب غيبة، عاص لربه، وآكل للحم أخيه.

والغيبة: «ذكرك أخاك بما يكره»... سواء ذكرته بنقصان في بدنه أو نسبه أو خلقه أو فعله أو قوله أو دينه أو دنياه، حتى في ثوبه وداره ووسيلة تنقله. قال الحسن: ذكر الغير ثلاثة: الغيبة والبهتان والإفك، وكل في كتاب الله عزَّ وجلَّ: فالغيبة أن تقول ما فيه، والبهتان أن تقول ما ليس فيه، والإفك أن تقول ما بلغك عنه. والغيبة لا تقتصر على اللسان فقط، بل كل ما يفهم الغير نقصان أخيك المسلم فهو داخل في الغيبة، قال النووي: «سواء ذكرته بلفظك أو في كتابك، أو رمزت أو أشرت إليه بعينك أو يدك أو رأسك. وضابطه: كل ما أفهمت به غيرك نقصان مسلم فهو غيبة محرمة»[8]. عن عائشة رضي الله عنها، قالت: قلت للنبي صلَّى الله عليه وسلَّم: حسبك من صفية كذا وكذا - تعني: قصيرة - فقال: «لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر مزجته!»[9]. الله أكبر...! كلمة واحدة لو مزجت بماء البحر لمزجته...! فما بالك بما هو أكثر من كلمة؟!. وعدم تعرضك لشخص معين ولكن الغير يفهم من كلامك شخصًا معينًا تتكلم عنه فهو غيبة. وسواء عليه أغتاب أخاه أم بهته، فإنه قد لا ينجو من الوقوع في الإفك عندما يقوم أعضاء المنتدى بنقل كلامه إلى منتديات أخرى، هذا إن لم يكن قد وقع فيه فعلاً بنقله لهم ما بلغه عن أخيه من أشخاص آخرين ولم يكن قد رأى ذلك بنفسه، قال الله تعالى في الذين جاؤوا بالإفك: ﴿إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ[10].

كتابات الغيبة بلباس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

لقد استطاع الشيطان أن يغري الكثير من الناس الذين يظنون أنهم يحسنون صنعًا بأمرهم بالمعروف أو نهيهم عن المنكر على صفحات المنتديات، ولم يدركوا أنهم إنما يفعلون ذلك بالطريقة التي يحبها الشيطان ويرغِّب بها وأغراهم بممارستها، وهي درجة غير الدرجات الثلاث التي حددها رسول الله : «من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان»[11]. لقد ضللهم الشيطان وزين لهم أعمالهم، ولم يعلموا أن ما يفعلونه ليس من الأمر بالمعروف أو النهي عن المنكر في شيء، وإنما هو محض الغيبة بكل علاماتها وآثارها ونتائجها، فتراهم في منتدياتهم يخوضون في أعراض المسلمين، ويكشفون عوراتهم، ويتفكهون بذلك وهم يظنون أنهم ينهون عن المنكر...!. لقد تحولوا عن الوجهة الصحيحة ولم يسلكوا سبيل المؤمنين في هذا الباب، وخالفوا رسول الله ؛ لأنهم لم ينهوا عن المنكر كما أمر فوقعوا في الغيبة، فمن شروط ذلك أن يكون النهي بين الطرفين سرًا على انفراد وليس تشهيرًا أمام الناس. وانطلت عليهم حيلة الشيطان الذي ألبس الغيبة لباس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأوهمهم أن ذلك لا يعد من الغيبة طالما أنه لتغيير المنكر وإزالته، ورد الضال إلى الحق.

تجد الآن كثيرًا من الناس - إلا من رحم الله - كلما دخلوا إلى منتديات الإنترنت بمختلف أنواعها.. كان طعامهم لحوم الناس، وشرابهم أعراضهم، وفاكهتهم عيوبهم، وحلواهم عوراتهم...! وإن سألتهم ماذا فعلتم؟ قالوا: أمرنا بالمعروف ونهينا عن المنكر...! أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر في منتدياتهم والمعنيون بأمرهم ونهيهم في منازلهم يغطون في نوم عميق لم يصلهم هذا الأمر ولا ذاك النهي! بل هؤلاء لم يكن قصدهم ذلك، وإنما قصدهم أن يعمروا المنتديات بشيء من المتعة والتشويق وأن يملؤوا صفحاتها بالإثارة بهذه الوجبة الشهية التي توافق شهوة النفس وهواها. ولا ننسى أن بين هؤلاء فئة المشاركين المستفسرين، الذين يضعون سؤالاً أو استفسارًا خبيثًا يريدون منه إثارة الفتنة والتسبب بالنقاش الحاد والسباب والشتائم.. وهؤلاء لا تقل خطورتهم عن الذين يغتابون، إذ إن أحدهم قد يكون السبب المهيج للغيبة؛ فينشط صاحبه بالغيبة ليزيد زوار المنتدى علمًا وربما هو لم يكن قد رأى المنكر بنفسه، وإنما هكذا سمع من الناس وهذا هو الغالب. وهذا في حال وجود منكر أو أمر سيئ بالفعل، ولكن في حالات كثيرة تجد الكاتب يفتري على أشخاص وينتقدهم على أشياء يخترعها من عنده ويلصقها بهم، ثم يدور النقاش حولها ويشتد، وهي في الحقيقة لا وجود لها!.

كتابات الثرثرة:

قال الله تعالى: ﴿لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ  فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا [12]. ينبغي للإنسان أن يمنع نفسه من الكلام المحرم أو المكروه أو الذي فيه أدنى شبهة، والصمت عن الكلام أفضل للعبد لأن فيه النجاة والسلامة، إلا عن كلام تأكدت المصلحة والفائدة فيه. وأما ما سوى هذه المصالح التي ذكرها الله - عزَّ وجلَّ - فإن الكلام في كثير منه لا خير فيه والسنة الإمساك عنه؛ لأن الكلام المباح الذي ليس فيه مصلحة قد يجر صاحبه إلى الكلام الحرام أو المكروه. ولكن أكثر الناس لم يعد يتحرى في أن يكون في كلامه مصلحة ما أو يتحرى الصدق في الكلمة التي يريد نشرها في الإنترنت، ولا يفضل عدم الكتابة إن لم يجد لديه الكلام المفيد.

والملاحظ أن الكثير من أعضاء المنتديات يتكلفون الكلام تكلفًا دون أن يطلب منهم أحد ذلك، وربما يفعلون ذلك لتكبير رقم مشاركاتهم ليقال عنهم أنهم أعضاء نشطون، وكذلك يضخمون الأشياء فيجعلون من الحبة قبة، ويبالغون في تصوير الأمور حتى ولو كانت تافهة، وفيهم يقول الرسول : «هلك المتنطعون» قالها ثلاثًا[13]. «أي المتعمقون الغالون المجاوزون الحدود في أقوالهم وأفعالهم»[14]. أو ينشرون أخبارًا أو يعلنون عن أحداث وأعمال ستحصل، ولا يحصل منها شيء! وبسبب عدم تثبتهم وحرصهم على الدقة والصدق في كتاباتهم؛ يفقدون المصداقية نهائيًا، ويسقطون من أعين الناس، وبعض هؤلاء تحترق أسماءهم المستعارة بسبب كتاباتهم فلا يجدون بدًا من استخدام أسماء مستعارة جديدة أو الانسحاب بالكلية. وقد كانوا في غنىً عن هذا كله، ولكنه حب الثرثرة والظهور، والتسرع وعدم الشعور بالمسؤولية عن الكلام.

كتابات الإفك:

قال الله تعالى: ﴿وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ[15]. وقال رسول الله : «كفى بالمرء كذبًا أن يحدث بكل ما سمع»؛ لأن ما يسمعه الإنسان فيه الصدق وفيه الكذب، فإذا حدَّث بكل ما سمع حدَّث بالكذب لا محالة، وإذا حدَّث بالكذب أصبح من الكاذبين رضي بذلك أم لم يرض، ولا شك في أن من يكون هذا شأنه فإنه سيكون مروجًا ممتازًا لمنتجي الشائعات. إن بعض أعضاء المنتديات يحب أن يظهر بمظهر مصدر المعلومات، أو من المطلعين على الأحداث والخفايا، وذلك للفت انتباه الزوار والحصول على إعجابهم، ومثل هذا لا بد أن يخلط الحق بالباطل، والصدق بالكذب، والخبر الصحيح بالخبر المختلق شاء ذلك أم لم يشأ. فإن كان المرء لمجرد أن يحدث بكل ما سمع كفى به كذبًا، فكيف وهو يحدث بما يعلم أنه كذب؟!. عن أبي موسى رضي الله عنه، قال: قالوا يا رسول الله! أي الإسلام أفضل؟ قال: «من سلم المسلمون من لسانه ويده»[16]. فهل مَن يكتب في المنتديات: قال وقلت وقلت وقالوا، وليقول عن المسلمين فلان يفعل كذا، وفلان عمل كذا، قد سلم المسلمون من لسانه؟! وقد لا يكفي أحدهم أن يقول ذلك عن عامة المسلمين، بل هو لا يتورع عن فعل ذلك بعلماء المسلمين وشيوخهم! ينتقدهم ويتهجم عليهم، ويرمي هذا بالكفر، وذاك بالضلال، دون وازع من ضمير أو خلق، فهل هذا قد سلم المسلمون من لسانه؟!.

أما الذين يقبلون من هؤلاء أن يروجوا كل ما سمعوه، لا بد أن يكونوا هم أيضًا مثلهم من هواة التحدث بكل ما يسمعون، ولهذا لا يحتاجون إلى التثبت مما يخبروهم به حتى ولو كانوا يعلمون حقيقة أمرهم؛ لأن همهم تلقف الأخبار منهم لينتقل كل واحد منهم فيتصدر بها منتديات أخرى، وهكذا تنتشر الشائعات الكاذبة المغرضة التي تحدث البلبلة بين الناس، والأخبار الملفقة والسيئة التي تثبِّط عزائم المسلمين وتدعوهم إلى الاستسلام، بفضل هؤلاء المروجين الكاذبين الذين لا يقلون خطورة - إن لم يكونوا أخطر - من مروجي المخدرات، فمروجو المخدرات يخدرون الناس، ومروجو الشائعات يثيرون الناس ويهيجونهم ويخلخلون صفوفهم فتعم الفوضى، وربما يحصل القتل بسببهم!.

كتابات اللعن والطعن:

قال رسول الله : «من لعن مؤمنًا فهو كقتله»[17]. وقال : «ليس المؤمن بالطعان، ولا اللعان، ولا الفاحش، ولا البذيء»[18]. إن بعض أعضاء منتديات الإنترنت ذوي الأسماء المستعارة قد استهانوا اللعن واستباحوا الطعن، والمؤمن لا يكون هكذا أبدًا، ولا يكون فاحشًا أو بذيئًا، فهذه الصفات الخبيثة والأخلاق السيئة لا تجتمع في المؤمن مع الصفات الحميدة والأخلاق الحسنة، بل المؤمن صاحب القلب الطاهر السليم ينفر ممن يكون فيه بعض هذه الخبائث كي لا ينجس قلبه. فمن الناس من يطلقون اللعن، ومنهم من يركزون لعنهم وطعنهم على شخص معين، أو جماعة أو عشيرة أو قوم ما بعينهم، ولا يكاد يسلم شيء ما يخص هذا المغضوب عليه، أو هؤلاء المغضوب عليهم - من لعنهم وطعنهم؛ فإذا كان هؤلاء المغضوب عليهم من الكفار أو الفساق المعينين لما كان الأمر هينًا، فكيف إذا كانوا من المسلمين؟!.

قال النووي: «اتفق العلماء على تحريم اللعن، فإنه في اللغة الإبعاد والطرد. وفي الشرع: الإبعاد من رحمة الله تعالى. فلا يجوز أن يبعد من رحمة الله تعالى من لا يعرف حاله وخاتمة أمره معرفة قطعية، فلهذا قالوا: لا يجوز لعن أحد بعينه مسلمًا كان أو كافرًا أو دابة، إلا من علمنا بنص شرعي أنه مات على الكفر، أو يموت عليه: كأبي جهل وإبليس. وأما اللعن بالوصف فليس بحرام كلعن الواصلة، والمستوصلة، والواشمة، والمستوشمة، وآكل الربا وموكله، والمصورين، والظالمين والفاسقين، والكافرين»[19]. وقال الغزالي: «كل شخص ثبتت لعنته شرعًا فتجوز لعنته كقولك: فرعون لعنه الله، وأبو جهل لعنه الله؛ لأنه قد ثبت أن هؤلاء ماتوا على الكفر وعرف ذلك شرعًا. وأما شخص بعينه في زماننا كقولك زيد لعنه الله... فهذا فيه خطر فإنه ربما يسلم فيموت مقربًا عند الله فكيف يحكم بكونه ملعونًا؟»[20].

مشاركات الغش والسرقة:

لا يتورع كثير من أعضاء المنتديات عن غش زوارها، عن طريق المشاركة بموضوع جيد ومفيد، ويوهمون الناس بأنهم كُتَّاب تلك المواضيع؛ ويقع الأعضاء الآخرون ضحية هذا الغش فيكيلون لهم المديح والشكر على مواضيعهم الرائعة والمفيدة والجميلة... إلخ، في حين أنهم لم يكونوا سوى سارقين لتلك المواضيع من مواقع أخرى عن طريق النسخ واللصق، دون أن يذكروا مصادرها وأسماء كتابها الحقيقيين، فينطبق عليهم قول رسول الله : «المتشبع بما لم يُعْطَ كلابس ثوبي زور»[21]. قال العلماء: «معناه المتكثر بما ليس عنده بأن يظهر أن عنده ما ليس عنده يتكثر بذلك عند الناس ويتزين بالباطل فهو مذموم»[22].

نصيحة لأصحاب المنتديات:

لن أكتفي بتشخيص المرض دون وصف العلاج ولا المشكلة دون وصف الحل، فأقول وبالله التوفيق: يمكنني بسهولة إنشاء منتدى إلى جانب موقعي، ولكنني لن أفعل بسبب ما ذكرته من مسؤولية عن كتابات الآخرين وحمل لوزرها، وحتى لا أبيع شيئًا من آخرتي من أجل دنيا غيري، وسأكتفي بموقعي الذي أتحكم فيه بمفردي فلا أنشر فيه إلا الفوائد والمعلومات المهمة التي تخدم الناس. فإذا أردت أن أقدم نصيحة وحلاً لإخواني المسلمين بحسب ما يأمرني به الدين بأن أتعاون معهم على البر والتقوى ولا أتعاون معهم على الإثم والعدوان، وبأنه لا أؤمن حتى أحب لأخي ما أحبه لنفسي، فلا أجد بدًا من أن أدعوهم لكي يحذو حذوي فيما لو أرادوا إنشاء مواقع ومنتديات.

أما الذين لديهم منتديات بالفعل وكانت هذه النصيحة صعبة وربما مستحيلة على بعضهم لكي يقوموا بإغلاق منتدياتهم، مع أنه مَن ترك شيئًا لله عوضه الله خيرًا منه، فأنصحهم بألا يسمحوا  - على الأقل - بالنشر المباشر للكتابات، بل تصب عند مسؤولين أو مشرفين على درجة كافية من التقوى والورع والالتزام بتعاليم الدين لكي يقوموا بعمل المراقبة والتصفية فلا ينشروا سوى ما يأذن به الدين ولا يكون فيه إثم على الكاتب ولا على المسؤولين عن المنتدى، وهذا أمر معمول به في كثير من المواقع المحافظة والخيرة والحريصة على تجنب الوقوع في المحرمات.

وختامًا أسأل الله تعالى أن يوفقنا إلى ما يحبه ويرضاه، وأن يعلمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علَّمنا، وأن ينفع بنا غيرنا من المسلمين، وأن يعيننا على نشر الحق والدين وإعلاء كلمة الله، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلَّم تسليمًا.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أخوكم

عدنان الطَرشة


[1] سورة ق، الآية: 18.
[2]
سورة الزخرف، الآية: 80.
[3]
أخرجه البخاري في كتاب الأدب، باب من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره.
[4]
أخرجه مسلم في كتاب الزهد، باب حفظ اللسان.
[5]
صحيح سنن الترمذي، رقم: 2110.
[6]
سورة الحجرات، الآية: 12.
[7]
صحيح سنن أبي داود، رقم: 4079.
[8]
النووي: الأذكار  300.
[9]
صحيح سنن أبي داود، رقم: 4080.
[10]
سورة النور، الآية: 15.
[11]
أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
[12] سورة النساء، الآية: 114.
[13]
أخرجه مسلم في كتاب العلم، باب هلك المتنطعون.
[14]
النووي: شرح صحيح مسلم 16 / 220.
[15]
سورة الإسراء، الآية: 36.
[16]
أخرجه البخاري في كتاب الإيمان، باب أي الإسلام أفضل.
[17] أخرجه البخاري في كتاب الأدب، باب ما ينهى من السباب واللعن.
[18] صحيح سنن الترمذي، رقم: 1610.
[19]
النووي: شرح صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب نقصان الإيمان بنقص الطاعات.
[20]
الغزالي: إحياء علوم الدين 3 / 123-126.
[21]
أخرجه البخاري في كتاب النكاح، باب المتشبع بما لم ينل وما ينهى من افتخار الضرة.
[22]
النووي: شرح صحيح مسلم، كتاب اللباس والزينة، باب النهي عن التزوير في اللباس وغيره، والتشبع بما لم يعط.

رابط الموضوع في موقع عدنان الطرشة مسؤولية الكتابة في المنتديات، وانظر كتابه (مجالسنا إلى أين).
لتنزيل الملف pdf: مسؤولية الكتابة في المنتديات