التلفاز:[1]
يا له من جهاز عجيب، جذاب، فتان، يأسر المشاهد ويقيده، يفيده ويضره، يهديه
ويضله، يبكيه ويضحكه، يسره ويحزنه، يفرحه ويغضبه، يريحه ويتعبه، يهدئه
ويهيجه... يكوم المشاهد على الأريكة و(يفرده)، يقلبه ويبرمه، يقيمه ويقعده،
يقربه ويبعده، يوقظه وينومه...
هو مجرد صندوق إلا إذا وصَّلته بالكهرباء، ساعتها يبدأ سيل الصور والبرامج
بالظهور، وتبدأ الشاشة تضج بالأحياء والأموات، وبالقتل والسرقات، وبالسفور
والعري، وبالوعظ والإرشاد، وبالحرائق والانفجارات، وبالنصح والتوجيه،
وبأخبار المصائب والمجاعات، وبالخلاعة والتميع، وبالغناء والإعلانات...
ذلكم هو التلفاز، وتلكم هي بعض أحوال مشاهده. فهل رأيت شيئًا يجمع كل هذه
المتناقضات مثل التلفاز؟! لقد استأثر التلفاز بقلوب الناس، وانتشر في مختلف
العائلات والطبقات، واقتنع كثير منهم في أنه لا يمكن العيش دونه، حتى
تعاموا عن سيئاته وأضراره، لا أقول النفسية والأخلاقية والاجتماعية فحسب،
بل والجسمية والصحية أيضًا.
فكثير من الناس لا يخطر في بالهم أن يسألوا - على الأقل - عن أضرار التلفاز
الجسمية، وفيما إذا كانت مشاهدة التلفاز لمدة طويلة مفيدة للجسم والصحة أم
مضرة؟ حتى ولو سألوا وسمعوا الجواب فهناك احتمال أن يتغافلوا عما سمعوا إن
لم يقوموا بتكذيبه، تمامًا كالدخان، يقول الطب والناس بأضراره، ويقرُّ ذلك
المدخنون أنفسهم ومع هذا فهم مدمنون لا يستطيعون التخلص منه، وهذا هو الحال
مع مدمني التلفاز.
ولكن هذا لا يمنع من القيام بواجب توعية الناس وتعريفهم بأضرار التلفاز؛
وهذا ما دفعني
بفضل الله تعالى وتوفيقه
إلى تأليف كتاب أسميته: «جسمك
والتلفزيون».
فقد أحببت أن أبين فيه لإخواني المسلمين أضرار التلفاز وآثاره السيئة على
الجسم والصحة بتسببه الجلوس الطويل أمامه لمشاهدة برامجه المتتابعة، بغض
النظر عن نوعية البرامج التي تُعرض فيه إن كانت نافعة أو ضارة. هذا من
جانب، ومن جانب آخر فبما أن هناك برامج مضرة بدنيًّا وصحِّيًّا ويخفى ضررها
على كثير من الناس، فقد اخترت بعض البرامج المعينة التي تشد أعدادًا كبيرة
من المشاهدين وبينت أضرارها البدنية وشيئًا من الآثار النفسية التي تنعكس
على الجسم فينتج عنها أيضًا أضرار بدنية وصحية.
وقد أكدت كل ذلك وأثبتُّه بأقوال الأطباء والاختصاصيين خاصة من أبناء الدول
التي اخترعت جهاز التلفاز. ويمكن الرجوع إلى كتابي المذكور لمن أراد أن
يشفي غليله بالتوسع في معرفة ذلك وغيره من الأمور المهمة.
أما النواحي الدينية والأخلاقية لبرامج التلفاز فتركتها لأهل الاختصاص من
العلماء والشيوخ والمفتين الذين بيَّنوا وما زالوا
يبيِّنون ويكشفون أخطار برامج التلفاز على الدين والأخلاق.
وحصول الضرر على المُشاهد من التلفاز لم يثبته ويؤكده هؤلاء فحسب، بل أكده
وبينه علماء الجسم أيضًا وأعني بهم الأطباء وخبراء العلاج الطبيعي
والمدربين الرياضيين وغيرهم..
بل
لم تبق جهة مثل العلماء، أو الهيئات والرابطات الطبية، والاجتماعية،
والاختصاصيون النفسيون، والكتَّاب الصحفيون، وحتى الرجال السياسيون، فضلاً
عن المشاهدين - إلا وصدرت منها صيحة غضب أو تذمر أو شكوى ضد التلفاز. وقد
رأيت نفسي مدفوعًا إلى أن أحذو حذوهم.
فالتلفاز من المخترعات الحديثة التي سبَّبت وتسبِّب أمراضًا وأخطارًا على
جسم المُشاهد، وكثير من المشاهدين غافلون عن هذه الأمراض والأخطار لكون
بعضها لا يظهر فورًا، بل يظهر مع مرور الزمن، ومنها ما يبدأ في الظهور بعد
سن الأربعين أو الخمسين تقريبًا.
لقد عرفتُ أهمية هذه الوسيلة الإعلامية الخطيرة والفعالة في حياة الناس،
وعرفتُ تأثيرها وإمكانية استغلالها في نشر أي شيء وتعميمه وتعليمه، خيرًا
كان أم شرًّا، وقد وجدتُ أن لدي أشياء مفيدة للناس يمكن تقديمها لهم فقمت
بحكم خبرتي في التمارين الرياضية بتقديم برنامج «تفضل وتمرن» من خلال محطة
التلفاز. فقد وجدتُ أن هذه الفائدة مهما حاولتُ تقديمها إلى أكبر عدد من
الناس بشكل مباشر فلا مجال له للمقارنة مع الأعداد الهائلة التي يمكن أن
أقدمها لهم من خلال التلفاز، سواء في البلد نفسه أو في البلدان الأخرى التي
يصلها بث هذه المحطة. وهكذا تكون خطورة التلفاز عندما يكون الشيء المقدم
شرًّا وضررًا بدلاً من خير وفائدة.
فنحن مع التلفاز كوسيلة لنشر مثل هذا الخير وهذه الفوائد،
ولكننا ضد الشر والأخطار والأضرار التي يسببها التلفاز بشكل مباشر أو غير
مباشر حتى وإن كان يعرض شيئًا مفيدًا، وهذا هو موقف كل مسلم، بل هو موقف
المنصفين من غير المسلمين الذين يهمهم مصلحة أبناء أوطانهم، ومن باب أولى
أن يهمنا مصلحة إخواننا المسلمين في كل مكان، ولهذا وجب علينا بيان هذه
الأخطار والأضرار والتأثيرات السيئة.
وعندما أتحدث عن التلفاز فإنني لا أقصد محطة تلفاز بعينها أو قناة مخصوصة
في بلد ما، بل أتحدث عن التلفاز كجهاز يعرض البرامج المختلفة في أي مكان في
العالم.
التلفاز سلاح ذو حدين:
«التلفاز سلاح ذو حدين» عبارة اتفق عليها جميع الناس، ويعنون بها أن
التلفاز يمكن أن يُستخدم في الخير ويقدم الفائدة والمنفعة، ويمكن أن
يُستخدم في الشر ويقدم الضرر والأذى. ولا مجال هنا للبحث فيما إذا كان
الحدان يُستخدمان فعلاً في هذا السلاح، أم أن أحد الحدين يُستخدم أكثر من
الآخر، أم أن الاستخدام يكون لحد واحد دون الآخر وذلك بحسب كل محطة من
المحطات الكثيرة التي أصبح بالإمكان مشاهدتها في جهاز واحد داخل البلد
الواحد. كذلك لا مجال للبحث فيما أنه إذا كان التلفاز سلاح ذو حدين، فهل
هذا يعني أن على المشاهدين أن يتقبلوا استخدام الحدين فيهم أم أن عليهم أن
يتقبلوا حدًّا ويصدوا الحد الآخر؟!.
ولكن يمكن القول بأن عبارة «التلفاز سلاح ذو حدين» يرتاح نفسيًّا إليها
غالبية مشاهدي التلفاز وبالذات أولئك الذين قد يقرون بأضراره على الدين
والأخلاق - خاصة بعد أن أثبت ذلك من هم يعدّون أئمة الإعلام في العالم وأول
من اخترعوا التلفاز، وخاصة بعد أن ارتفعت الأصوات في العالم ضد ما يعرضه
التلفاز من أفلام العنف والجريمة والعري والرذيلة. وعندما يسمع المشاهد
المسلم هذه العبارة يحمد الله تعالى على أن التلفاز سلاح ذو حدين وليس ذو
حد واحد هو الشر، وتكون أمنيته الدائمة استخدام حد الخير فقط، ولكن هل هو
يحقق أمنيته؟!.
هذا فيما يتعلق بجانب الدين والأخلاق، وعبارة «التلفاز
سلاح ذو حدين» التصقت واشتُهرت بهذا الجانب. وقد تأملت كثيرًا إذا كانت هذه
العبارة تنطبق أيضًا على جانب آخر لم يُعط الاهتمام الكافي، والناس عنه في
غفلة، ألا وهو الجسم، فهل التلفاز سلاح ذو حدين أيضًا مع جسم المشاهد؟! أو
بعبارة أخرى: هل التلفاز يفيد جسم المشاهد بجلوسه أمامه ساعات كثيرة دون حركة أم يضره
بهذا الجلوس الطويل؟.
التلفاز والأضرار البدنية:
إن الحركة والنشاط البدني لازمان للحياة والصحة كل اللزوم. وأي تحديد أو
إهمال للحركة لا يمر دون تأثيرات سلبية على البدن. ونأتي إلى ناحية مهمة في
حياة الإنسان، ألا وهي الطعام. فكون الإنسان يأكل باستمرار يجعله في أشد
الحاجة إلى الحركة المستمرة، ولهذا أستطيع أن أضع لذلك قاعدة تقول: «ما
دمت تأكل فأنت بحاجةٍ إلى الحركة».
وإلى زمن قريب كان الناس يأوون إلى فرشهم في وقت مبكر بعد تناول الطعام،
فلم يكن هناك كهرباء، ومن ثَم لم يكن لديهم تلفاز أو غيره من المخترعات
الحديثة. وكانت الحركة والنشاط البدني جزءًا لا يتجزأ من حياتهم اليومية،
ولهذا كانت أجسامهم صحيحة وقوية، وكانت الأمراض لديهم قليلة. أما بعد
اختراع الأجهزة والوسائل الحديثة والتلفاز فقد أصبح الأمر على العكس من
ذلك، فقد انفصلت الحركة عن حياة الإنسان ولم تعد جزءًا من حياته اليومية،
ومن ثَم أصبح جسمه ضعيفًا، والأمراض والمشكلات الصحية أصبحت لا تحصى، وظهرت
أمراض حديثة لم تكن في الأجيال السابقة وسموها أمراض المدنية الحديثة.
إن التلفاز يأسر المشاهد ويضطره إلى الجلوس أمامه مددًا طويلة نسبيًا، وهذا
الجلوس الطويل أمامه - خاصة إذا كان خاطئًا - يصيب الهيكل العظمي بأضرار قد
تستفحل وتصل إلى مرحلة متقدمة، وربما أدى ذلك إلى حدوث انحراف لجزء أو أكثر
من أجزاء الجسم وهو ما يسمى بالتشوه القوامي. فالمعروف أن الإنسان عندما
يجلس ليشاهد التلفاز فإنه غالبًا يجلس لساعات متعددة تزداد وتنقص من شخص
لآخر، وهو إذا جلس الجلسة الصحيحة الصحية طول وقت المشاهدة ليس بمنأى عن
الضرر فكيف وهو يتقلب بين جلسة خاطئة وجلسة خاطئة أخرى؟!. ومن التشوهات
الشائعة التي يكون فيها الجلوس أمام التلفاز هو القاسم المشترك ضمن أسباب
حدوثها هي: سقوط الرأس وانحرافه، انحناء الظهر أو تحدبه، التجوف القطني،
الانحناء الجانبي.
والحقيقة أنه وإن كانت طريقة الجلوس أمام التلفاز صحيحة، فإن مجرد الجلوس
لمدة طويلة دون حراك له تأثيره الضار على الجسد. فمن ناحية، فإن أنسجة
الأربطة والغضاريف والعضلات والمفاصل تأخذ في التيبس بعد مرور نصف ساعة على
الجلوس، فإذا لم ينهض الإنسان بعد هذه المدة ويقوم ببعض الأعمال التي فيها
تحريك لهذه الأعضاء فالضرر سيصيبها خاصة إذا كانت عادة الجلوس الطويل أمام
التلفاز يومية، وسيظهر الضرر أولاً على شكل آلام قد تتطور إلى تشوهات
قوامية مثل التجوف القطني، وتحدب الظهر، والانحناء الجانبي... ومن ناحية
ثانية ينتج عن هذا الجلوس الطويل أمام التلفاز أمراض داخلية متعددة
مثل: أمراض القلب، والسمنة، والسكري، وضعف القدرة الجنسية وغيرها من
الأمراض. ولا مجال للتحدث عنها في هذه الرسالة المختصرة وقد أوضحتها في
كتابي المذكور.
برامج التلفاز والأضرار:
لا بد من الإشارة بأن التلفاز لا يخلو من برامج مفيدة ونافعة للجميع،
للكبار والصغار، للذكور والإناث، مثل البرامج الدينية والعلمية والصحية
والاكتشافات الحديثة، وبرامج التوعية والإرشاد... وغيرها من البرامج التي
تزيد في معرفة الإنسان فيستخدم هذه المعرفة فيما هو لصالح دينه وآخرته،
ولصالح دنياه ومعيشته في مختلف مجالات الحياة. ولكن نسبة هذه البرامج قليلة
جدًا بالمقارنة مع مجموع ما يُقدم في محطات التلفاز من برامج مخالفة ومضادة
لها؛ لأن مبدأ التلفاز مبني على الترفيه والترويح لا على التعليم والتثقيف،
وهذا ما رَبَّى عليه كثيرًا من مشاهديه.
فالغالبية العظمى من برامج أي محطة تلفازية في العالم هي من النوع الذي
يسبب أضرارًا نفسية وخُلقية وسلوكية وبدنية... ولهذا؛ لا تقتصر الأضرار
البدنية - التي يسببها التلفاز لمُشاهده - على الجلوس الطويل أمامه، بغض
النظر عن نوعية البرامج التي يعرضها سواء كانت نافعة أو ضارة، بل هناك
أيضًا أضرار بدنية تسببها بعض البرامج بعينها لمُشاهدها خاصة إذا تكررت
مشاهدته لها، إضافة إلى تأثيرات نفسية لهذه البرامج تنعكس على الجسم فيصاب
بالأمراض البدنية والنتائج الخطيرة. ومن هذه البرامج مثلاً: المشاهد
الجنسية، ونشرات الأخبار، والمصارعة...
إن نسبة الجنس في الأفلام والبرامج والمسلسلات التلفازية والإعلانات
التجارية لا تخفى على أحد... بل إن الجنس
موجود في كثير من المشاهد التي ظاهرها البساطة والعفوية والتي لا يكون
موضوعها عن الجنس. وهذه المشاهد تكفي لتحريك الشهوة الجنسية في النفوس
البشرية، فمجرد إلقاء الحجر في المياه الساكنة يجعلها تمتلِئ بالدوائر
والاهتزازات.
إن هذه المشاهد الجنسية تؤثر على الجهاز التناسلي، ودون أن أبحث في آثارها
السيئة على نفسية المشاهد خاصة إذا لم يكن لديه زوجة، ودون أن أتطرق إلى
النتائج السيئة على المدى البعيد التي تترتب على مشاهد الجنس في التلفاز
مما نسمعه من البلدان التي طغت فيها مشاهد الجنس على ساعات البث التلفازي
عندهم فكثرت حوادث الخطف والاغتصاب والشذوذ الجنسي وغير ذلك مما أتوقع
حدوثه في كل بلد يريد أن يسير على نهجهم وطريقتهم التلفازية، فإنني أذكر
هنا الضرر البدني الذي يحصل من تكرار مشاهدة الأفلام والبرامج المثيرة
للغريزة الجنسية، وهو: احتقان غدة البروستاتا.
أما الأضرار البدنية للبرامج الإخبارية فحدث ولا حرج...! فأخبار المصائب
والقتل وغيرها من الأخبار السيئة تصيب الإنسان بالهم والغم وضيق الصدر
والقلق مما ينتج عنه أمراض وعلل نفسية وبدنية لا يعلم عددها إلا الله تعالى
وربما أفضى ذلك به إلى الموت، أو يصبح على الأقل كئيبًا حزينًا، أو عصبيًا
شرسًا، أو ضجرًا متبرمًا فاقد الصبر. إن مجرد العلم بمشكلة أو بمصيبة يكون
لها الأثر السلبي على القلب والأعصاب، وقد كان الإنسان في الماضي وقبل
اختراع الكهرباء والراديو والتلفاز يعيش ويموت ولا يسمع عن مصيبة إلا
نادرًا؛ ولهذا كان يعيش حياة هادئة هنيئة ليس فيها تعكير للمزاج، ولا توتر
للأعصاب، ولا همَّ للدماغ. أما في هذا الزمان فتجده يستمع ويشاهد نشرات
الأخبار والبرامج الإخبارية فيتناول جرعة كبيرة جدًا من أخبار المشكلات
والمصائب والبلايا والكوارث والزلازل والفيضانات والحروب والمجاعات والقتل
والاغتصاب والسطو والانقلابات والهزائم والخسائر... وذلك في وقت قصير جدًا
قد لا يتعدى نصف الساعة أو الساعة...!.
وبعد تناول هذه الجرعة السامة من الأخبار، ودون شعور منه، يتغير مزاجه
فيصبح عصبيًا ويظهر في سلوكه شيء من الحدة والغضب مع أهل بيته أو مع من
يعملون معه... بل إن البرامج الإخبارية التي تذيع أخبارًا سيئة تؤثر سلبًا
على المزاج العام للرجل المتزوج وينعكس ذلك على الرغبة في الجماع فتفتر أو
تنعدم عقب البرنامج، تمامًا كما يحصل عندما يشعر الإنسان بعدم الرغبة في
الأكل.
إن تأثير ما يراه الإنسان في التلفاز من الأفلام والمسلسلات والبرامج
والأخبار وغيرها على صحته، معظمه لا يمكن أن يُرى بالعين ولا يحدث فورًا
لأن ضرره ليس ظاهرًا ولا فوريًّا، فلو كان فوريًّا مثل الشعور بالألم أو
احتراق اليد فور وضعها في النار ورؤية ذلك بالعين لما شاهد أحد التلفاز
فضلاً عن ألا يشتريه، ولكن تأثيره يكون تراكميًا، فيحتاج إلى زمن ما يتراكم
فيه الشيء فيظهر على شاكلة مرض بعد أن تكون صورته قد اكتملت.
وعند ظهور المرض فكل ما يعرفه المشاهد أن لديه هذا المرض ويذهب إلى الطبيب
لمعالجته ولا يستطيع أن يعرف سبب هذا المرض أو كيف نشأ، كذلك يصعب عليه
تقبل أن السبب هو التلفاز وما يشاهده فيه لأنه لا يرى التلفاز وهو يُنشئ
فيه المرض شيئًا فشيئًا، ومن ثَم يصعب نصحه بترك مشاهدة التلفاز أو الإقلال
منها إلى أدنى حد. وعدم استطاعة ترك شيء دليل على إدمانه والتمسك به، وكذلك
التلفاز فمن خصائصه الإدمان ومن ثَم النصيحة فيه صعبة جدًا وربما أصعب في
بعض الحالات من ترك الدخان والمخدرات.
طرق التعامل مع التلفاز:
إن إحدى النصائح للتعامل مع التلفاز هي ترشيد استخدامه وتسخيره لخدمة
المشاهد؛ وذلك يكون بجعل مدة المشاهدة قصيرة نسبيًا، فيختار البرنامج الذي
يستفيد منه دينيًا وخلقيًا وفكريًا وصحيًا... وإقفال التلفاز فيما عدا ذلك
للاستفادة من وقته وعمره فيما يعود عليه بالفائدة دنيا وآخرة. وهذا ممكن
جدًا بالإرادة القوية والإيمان الواعي والحرص على المحافظة على سلامة دينه
وخلقه وبدنه وصحته.
أما بالنسبة للجلوس - بحد ذاته - أمام التلفاز إذا ما رغب الشخص في مشاهدة
برنامج من البرامج المفيدة من الناحية الدينية أو العلمية أو الصحية...
فإنني أنصح بالنصائح الآتية:
أولاً: اتخاذ الوضع الصحيح للجلوس أثناء مشاهدة التلفاز، من أجل حماية
العمود الفقري وتجنب آلام أسفل الظهر وتجنب الإصابة بالتجوف القطني أو
الانحناء الجانبي أو تحدب الظهر أو انحراف الرأس، ويكون على النحو الآتي:
أن تكون الركبتان دائمًا أعلى من الحوض وليس العكس، مع استقامة الظهر
باستقامة ظهر الكرسي، ويتعين أن يكون الرأس أيضًا مستقيمًا فوق الجسم، وأن
تكون القدمان في وضع مستو، وإذا لم يكن الكرسي من النوع الذي يتيح للجالس
عليه وصول قدميه إلى الأرض بحيث تكون الركبتان في مستوى الحوض أو أعلى منه
قليلاً فالأفضل وضع شيء ما تحتهما لرفعهما عن الأرض.
ثانيًا: ألا تكون الجلسة الواحدة أمام التلفاز لأكثر من نصف ساعة. فإذا كان
المشاهد يتابع برنامجًا واحدًا أو أكثر لأطول من هذا الوقت فعليه القيام كل
نصف ساعة وتحريك الجسم وخاصة الجذع والرجلين ببعض التمارين الرياضية
المعوِّضة عن فقدان الحركة.
ثالثًا: أن يكون الجلوس على بعد مناسب من الشاشة (مترين على الأقل)، ولا
يجلس بعيدًا جدًا عنه، لأن ذلك يجهد العين. وأن تكون الشاشة في مستوى النظر
أو أقل قليلاً، وألاَّ تكون أعلى من مستوى النظر.
إن جسم المشاهد يحتج ضد التلفاز واحتجاج الجسم هو إصابته بأحد الأضرار
البدنية أو الصحية أو بما يعانيه من الجمود الطويل أمام التلفاز؛ خاصة إذا
كان ذلك في الليل على حساب وقت النوم، ورسول الله
صلَّى الله عليه وآله وسلَّم
يقول:
«فإن
لجسدك عليك حقًا، وإن لعينك عليك حقًا»[2]؛
فللجسم والعينين حق على المسلم حتى في حال انكبابه على العبادة التي فيها
من الفائدة العظيمة له ما لا يحصيه إلا الله تعالى، فكيف في حال انكبابه
على مشاهدة التلفاز التي إن لم تكن ضررًا خالصًا فمعظمها ضرر؟!. إذًا..
فليعط المسلم جسمه حقه قبل أن يصاب بضرر ما من الأضرار التي يسببها
التلفاز، إذ إن أي فائدة قد يجنيها من المشاهدة لا تعوض الضرر الذي يحصل
له، ودرأ الضرر مقدم على جلب المنفعة.
عدم تأخير الصلاة:
إذا كان من الواجب نصح مشاهد التلفاز المسلم وتحذيره من هذه الأضرار
البدنية؛ فالواجب أكبر لنصحه وتحذيره مما هو أعظم وأخطر من ذلك بكثير، بل
لا مقارنة بين ضرر يسببه التلفاز له وتكون نتيجته ألمًا جسميًا، وضرر آخر
يسببه التلفاز وتكون نتيجته عذابًا في جهنم. فالنصيحة
الأهم مما سبق كله؛ هي أولاً ألاَّ يشغله التلفاز عن واجب ديني. وفي طليعة
هذه الواجبات الصلوات الخمس المفروضة على المسلم، فلا يجوز له أن يؤخر صلاة
مكتوبة عن وقتها - فضلاً عن تركها - من أجل مشاهدة برنامج تلفازي من أي نوع
كان. فقد حذر الله من ذلك فقال تعالى:
﴿فَوَيْلٌ
لِلْمُصَلِّينَ. الَّذِينَ هُمْ عَنْ
صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ﴾[3]،
أي؛ الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها المعلوم.
فلو كان هناك سبب واحد يجيز للمسلم تأخير الصلاة
من أجله لذكره الله ولقال: إلا من كان يفعل كذا وكذا. فإذا كان تأخير
الصلاة لا يجوز حتى في أصعب المواقف وأخطرها وهي الحرب، فما هو دون الحرب
أولى بعدم تأخير الصلاة من أجله؛ وشتان بين خوض حرب وبين مشاهدة تلفاز!.
كذلك ألاَّ يشاهد فيه تمثيل الأخلاق السافلة، والصور الخليعة وما شابه
ذلك... والمسلم العاقل يعلم أنه إذا كانت هناك فائدة ما من مشاهدة التلفاز
فمهما بلغ حجم هذه الفائدة فهي لن تغني عنه من الله شيئًا، ولن تعوضه عما
فاته من فوائد دنيوية وأخروية بطاعته لله عزَّ وجلَّ، وكذلك لن تمنع عنه
شيئًا من عذاب الله بسبب هذا التأخير.
وبعد...
فالتلفاز - في غالبه - أمراض ومشكلات فاستقلل منها أو استكثر، وهو لو لم
يكن كذلك لما كلف أحد نفسه - خاصة من أبناء البلدان التي اخترعت هذا الجهاز
الذين هم أعلم الناس به - في البحث عن علاج له ووضع الطرق لتجنب آثاره
السيئة على صحة الجسم وأخلاق النفس.
استغلال الوقت واغتنام العمر:
إن متوسط الزمن الذي يُصرف أمام التلفاز لشخص في الستين من عمره يبلغ من
سبع إلى عشر سنوات. ويخبرنا رسول الله