التلفاز:[1]
إن المربي المسلم - سواء أكان الأب أم الأم - حريص
جدًا على تربية ولده التربية الحسنة، وتنشئته النشأة الصالحة، والعناية
بجسمه وصحته، فلا يرضى أن يجلس ولده مع رفيق سوء، أو أن يقوم بأشياء تضر
جسمه وتؤذيه. فإذا ما وصل الأمر إلى جهاز التلفاز تبخَّر عند الأب كل هذا
الحرص على دين ولده وأخلاقه وجسمه، فلا يمانع أن يجلس ولده إلى هذا الدخيل
وجليس السوء فيشاهد فيه أنواعًا شتى وصنوفًا مختلفة من أفعال الشر والإجرام
والعنف والجنس من قتل وضرب واغتصاب وتقبيل وجماع وسرقة وسكر وكذب وغش
وتزوير واحتيال وإدمان للدخان والمخدرات وفسق وفجور وعقوق وتمرد... إلخ.
ولا يخاف من أن يتعلم ولده شيئًا مما يشاهده فيه، كذلك الأمر بالنسبة لجسمه
حيث لا يمانع من أن يجلس ولده الجلسات الطويلة أمام التلفاز فيتضرر جسمه
أضرارًا مختلفة، وربما هو الذي يدعوه إلى هذا الجلوس.
كثير من الآباء ينظرون إلى جهاز التلفاز نظرة
سطحية، كمن ينظر إلى قنبلة على أنها مجرد كرة حديد يمكن ركلها واللعب بها،
ولا يعبأ بما في داخلها من المواد المتفجرة والقاتلة، ينظرون إلى التلفاز
على أنه مجرد جهاز للتسلية، ولا يأبهون لمضمون ما يبثه من مواد سيئة وضارة.
فمن باب التسلية هذا تدخل الشرور والمفاسد إلى عقول الأطفال وأنفسهم،
فبعضها يظهر فورًا في أقوال الطفل وتصرفاته، وبعضها لا يظهر فورًا وإنما مع
مرور الزمن، حيث يستمر دخول هذه الشرور والمفاسد بانتظام وتتراكم في داخل
نفس الطفل وتدخل في صميم قناعاته الشخصية على أنها جزء حقيقي من السلوك
الإنساني والاجتماعي، وعندما يكبر ويصل إلى مرحلة المراهقة حيث تبرز شخصيته
ويزداد استقلالاً عن الكبار، تظهر هذه الأمراض في أخلاقه وتصوراته وسلوكه
وأقواله، ويبدأ في التعامل مع أهله ومع الناس من خلال ما تجمع لديه من
مشاهداته التلفازية. ثم بعد ذلك يتساءل الأبوان باستغراب عن سبب عصبية
الولد وعنفه واستخدامه للقوة كوسيلة للحصول على ما يريده، وعن سبب عاداته
السيئة وسوء خُلقه، و...، و...
لقد استأثر التلفاز بقلوب الناس، واقتنع كثير منهم
في أنه لا يمكن العيش دونه، حتى تعاموا عن سيئاته وأضراره على أبنائهم، بل
ربما وجدوا أن عليهم القبول بها ولسان حالهم ومقالهم يردد: «التلفاز سلاح
ذو حدين» أي: حد الخير، وحد الشر، وكأن عليهم التسليم لكل اختراع جديد وإن كان له أضرار أو أن
سيئاته أكثر من حسناته.
وقد بيَّن علماء الإسلام وما زالوا يبيِّنون
ويكشفون أخطار برامج التلفاز على الدين والأخلاق، بل إن أصوات العلماء
الغربيين والهيئات والرابطات الطبية والاجتماعية والاختصاصيين النفسيين
والمدرسين والمربين وغيرهم تتعالى باستمرار ضد التلفاز ليس من منطلق ديني
وإنما من منطلق أخلاقي ونفسي وصحي وبسبب تأثير التلفاز الضار والمدمر على
التربية الاجتماعية وعلى عقول الأطفال بالذات.
وهذا ما دفعني بفضل الله تعالى وتوفيقه إلى تأليف كتاب أسميته: «ولدك
والتلفزيون»، لأنه وإن كان هذا هو موقف كثير من الآباء من التلفاز، فهذا لا
يمنع من القيام بواجب توعيتهم وتعريفهم بأضرار التلفاز. فقد أحببت أن أبين
فيه لإخواني المسلمين الآثار السيئة للتلفاز على جسم الطفل وصحته بسبب
الجلوس الطويل أمامه لمشاهدة برامجه، بغض النظر عن نوعية البرامج التي
تُعرض فيه إن كانت نافعة أو ضارة. هذا من جانب، ومن جانب آخر فبما أن هناك
برامج مضرة بالطفل نفسيًا وجسميًا ويخفى ضررها على كثير من الآباء
والأمهات، فقد اخترت بعض البرامج المعينة وبينت أضرارها على نفس الطفل
وجسمه وصحته. وقد أكدت كل ذلك وأثبتُّه بأقوال الأطباء والاختصاصيين خاصة
من أبناء الدول التي اخترعت جهاز التلفاز. ويمكن الرجوع إلى كتابي المذكور
لمن أراد أن يشفي غليله بالتوسع في معرفة ذلك وغيره من الأمور المهمة.
لقد عرفتُ أهمية هذه الوسيلة الإعلامية الخطيرة
والفعالة في حياة الناس وخاصة الأطفال، وعرفتُ تأثيرها وإمكانية استغلالها
في نشر أي شيء وتعميمه وتعليمه، خيرًا كان أو شرًا، وقد وجدتُ أن لدي أشياء
مفيدة للناس يمكن تقديمها لهم فقمت بحكم خبرتي في التمارين الرياضية بتقديم
برنامج «تفضل وتمرن» من خلال محطة التلفاز، وكان أكثر المتمرنين معي بواسطة
هذا البرنامج هم الأطفال. فقد وجدتُ أن هذه الفائدة مهما حاولتُ تقديمها
إلى أكبر عدد من الناس بشكل مباشر فلا مجال له للمقارنة مع الأعداد الهائلة
التي يمكن أن أقدمها لهم من خلال التلفاز، سواء في البلد نفسه أو في
البلدان الأخرى التي يصلها بث هذه المحطة. وهكذا تكون خطورة التلفاز عندما
يكون الشيء المقدم شرًا وضررًا بدلاً من خير وفائدة.
فنحن مع التلفاز كوسيلة لنشر مثل هذا الخير وهذه
الفوائد، ولكننا ضد الأخطار والأضرار التي يسببها التلفاز بشكل مباشر أو
غير مباشر على الطفل، وضد حد الشر، وهذا هو موقف كل أب مسلم غيور، بل هو
موقف الآباء والمربين المنصفين من غير المسلمين الذين يهمهم مصلحة أبناء
أوطانهم، ومن باب أولى أن يهمنا مصلحة أبناء المسلمين في كل مكان، ولهذا
وجب علينا بيان هذه الأخطار والأضرار والتأثيرات السيئة.
لا بد من الإشارة بأن التلفاز لا يخلو من برامج
مفيدة ونافعة للطفل، حيث يزوده بالخبرات والمعرفة، ويعلمه بعض المهارات.
وهنا تكمن خطورة هذه الوسيلة على الطفل والمراهق، لأن هذه الفوائد التي
تحصل لهما تأتي من برامج نادرة أو قليلة جدًا، في حين الغالبية العظمى مما
يُعرض في التلفاز في أي محطة تلفازية في العالم على العكس من ذلك تمامًا،
فالوسيلة نفسها التي يمكن أن تُحدث الفوائد للطفل والمراهق، تحدث لهما
أيضًا الأضرار النفسية والخلقية والسلوكية والبدنية.
وعندما أتحدث عن التلفاز فإنني لا أقصد محطة تلفاز
بعينها أو قناة مخصوصة في بلد ما، بل أتحدث عن التلفاز كجهاز يعرض البرامج
المختلفة في أي مكان في العالم. وعندما أذكر الطفل أو الولد فيعني الذكر
والأنثى من السنوات الأولى للطفولة إلى مرحلة المراهقة وبداية مرحلة
الشباب.
إن على الوالدين الاهتمام بالطفل في مرحلة ما قبل
دخول المدرسة وعدم إهمالها؛ فالطفل الذي يصاب بالعيوب والانحرافات القوامية
تأتي إصابته من أسباب متعددة من أهمها الجلوس الخاطئ أمام التلفاز، أو
الرقود بأوضاع خاطئة أمامه خاصة إذا امتد ذلك إلى وقت طويل. وآثاره السيئة
لا تنحصر بالجلوس الطويل أمامه بل أيضًا بتعطيل الطفل عن الحركة وممارسة
الرياضة التي هي ضرورية لنموه الجسدي نموًا صحيحًا دونما تشوهات أو
انحرافات أو أضرار قد تصيب الجسم ويكون لها آثار سيئة على نفس الطفل في
المستقبل. وبعض هذه الأضرار لا يظهر في المدى القريب، بل يظهر في الكبر
ويكون ذلك بسبب الأثر التراكمي منذ الصغر.
إن التلفاز يأسر الطفل ويضطره إلى الجلوس أمامه
مددًا طويلة نسبيًا، وهذا الجلوس الطويل أمام التلفاز - خاصة إذا كان
خاطئًا - يصيب الهيكل العظمي بأضرار قد تستفحل وتصل إلى مرحلة متقدمة. ومن
التشوهات الشائعة التي يكون فيها الجلوس أمام التلفاز هو القاسم المشترك
ضمن أسباب حدوثها هي: سقوط الرأس وانحرافه، انحناء الظهر أو تحدبه، التجوف
القطني، الانحناء الجانبي. وليست التشوهات القوامية هي الأضرار الوحيدة
التي يمكن أن يصاب بها الطفل بالجلوس الطويل لمشاهدة التلفاز، بل هناك
أمراض صحية متعددة يمكن أن يصاب بها أيضًا.
التربية التلفازية:
إن الطفل في هذا العصر يواجه عنصرًا إضافيًا
جديدًا يقوم بتعليمه إلى جانب الأبوين هو: التلفاز. فيقوم على تربية الطفل
ثلاثة: الأب والأم والتلفاز. فإذا أنقصنا الأب، بقي التلفاز والأم، وإذا
أنقصنا الأم، بقي التلفاز والأب، أما إذا أنقصنا الأب والأم فقد بقي
التلفاز كعنصر وحيد يقوم على تعليم الطفل ومن ثم تقليد الطفل لما يتعلمه
منه. وعدم وجود أحد الأبوين أو كلاهما ليس بالضرورة أن يكونا أو يكون
أحدهما ميتًا، بل هما موجودان لكن وجودهما كعدمه، فلا تعليم ولا تربية، ولا
أمر ولا نهي، ولا بشارة ولا نذارة، ولا نصح ولا إرشاد، ولا توجيه ولا
تنبيه... أي ينطبق على هذا الطفل وصف الشاعر:
ليس اليتيم من انتهى أبواه من هـم
الحياة وخلَّفـاه ذليلاً
إن اليتيـم هو الـذي تلقى لــه
أُمًا تخلت أو أبًا مشغولاً
إن قيم التلفاز التي يُعَلِّمها، والمضمون الذي
يبثه، ركام هائل من الغث والسمين والضار والنافع جنبًا إلى جنب، كأنها
صادرة عن شخص مصاب بانفصام الشخصية.
والتلفاز يمجد أهل الفن وأصحاب المجون ولاعبي كرة القدم... فيشب الطفل وفي
أمنيته وأحلامه أن يصبح واحدًا من هؤلاء، أو يقوم بتقليدهم. ويتميز الكثير
من الأفلام بمشاهد العنف كالضرب والقتل والتعذيب والمبارزة بالأسلحة
المختلفة... وهي مما يعلم الطفل العدوان، وتجعله يحاول تقليد بعض الشخصيات
في حركاتها أثناء المعارك والمبارزة أو في ملابسها، وربما يناقش احتمال
الإضرار بالغير بالكيفية نفسها التي يراها في مشاهد العنف. فكيف تريد من
الطفل أن يكون رفيقًا وأن يتعامل بالرفق مع الناس لأنه أفضل من العنف، وأنه
كما قال النبي
صلَّى الله عليه وآله وسلَّم:
«إن الله تعالى رفيق يحب الرفق، ويعطي عليه ما لا يعطيه للعنف»[2]،
وهو يشاهد في التلفاز كل يوم أن العنف هو الحل الأفضل والأنجح لجميع
المشكلات التي تواجهه، وأنه يأتي بأحسن النتائج، وأن الرفق لا يأتي إلا
بالخسارة؟!.
كما إن التلفاز يعرض الأفلام والبرامج والمسلسلات
والإعلانات التجارية وفيها من الجنس
وإثارة الغريزة
ما لا يخفى على أحد. بل إن
الجنس موجود في كثير من المشاهد التي ظاهرها البساطة والعفوية والتي لا
يكون موضوعها عن الجنس. وعلاوة على المشاهد الجنسية المباشرة، فالتلفاز
نفسه سبب إلى الخيال الجنسي عند المراهق والمراهقة، حيث يرى أحدهما صورة ما
ثم يكملها بواسطة خياله، لأن مجرد إلقاء الحجر في المياه الساكنة يجعلها
تمتلِئ بالدوائر والاهتزازات.
فمشاهدو التلفاز الأطفال يبدؤون بتناول الجرعات
الجنسية، جرعة تلو الجرعة، فمن مشاهدة شخصيات كرتونية الذكر منها له صديقة
من الإناث يحبها وتحبه، إلى مشاهدة المرأة إلى جانب الرجل يعملان معًا
ويتصادقان ويتحابان، إلى مشاهدتهما يختليان ويقبلان بعضهما بعضًا... إلخ. فمن واجب المربي حفاظًا على دين ولده وأخلاقه، وسلامة
جسمه وصحته، أن يجنبه النظر إلى كل ما يثيره جنسيًا.
التقليد:
إن التقليد هو أحد الأبواب الكبيرة التي يدخل منها
الشر على الطفل. والطفل إذا أعجب بشخصية تلفازية ما فإنه يحاول تقليدها في
التصرف وطريقة الكلام واللباس... وبعض الأطفال ينفذون في حياتهم الواقعية
بعضًا مما شاهدوه في التلفاز، وذلك لعجزهم عن الفصل بين عالم الخيال الذي
تصوره البرامج وبين عالم الواقع الذي يحيون فيه. وما من شك أن التقليد في
أحيان كثيرة ينتج عنه أضرار بدنية وخُلقية لا يقتصر ضررها على المقلد بل
يتعداه إلى غيره. ألم نسمع عن أطفال قفزوا من السطوح والشرفات تقليدًا لـ «السوبرمان»؟!
وألم نسمع قصصًا كثيرة عن أطفال قتلوا أو قُتلوا أو تعرضوا للأذى البدني
وعرَّضوا غيرهم لذلك تقليدًا لما شاهدوه في التلفاز؟! وألم نقرأ عن عدد من
الأطفال في عددٍ من بلدان العالم قاموا بشنق أنفسهم تقليدًا لما رأوه في
محطات التلفزة لمشهد إعدام أحد الرؤساء شنقًا؟!.
ولا بد أن كثيرًا من الآباء والأمهات قد لاحظوا أن
أطفالهم يقلدون شخصية أو شيئًا رأوه في التلفاز، والطفل الصغير لا يميز بين
الخير والشر، أو بين الفائدة والضرر، فلا نستطيع أن نقول إن الطفل يمكنه أن
يقلد الحسن ويترك السيئ، لأنه لا يوجد عند الطفل مراقبة ذاتية حتى يختار
هذا ويترك هذا، فهو يقلد الكيفية وليس له شأن بالنوعية، خاصة إذا لم يكن
بجانبه من يوضح له الحقيقة. والتلفاز يزين للطفل تقليد الشر أكثر من تقليد
الخير بتمجيده للأشرار وجعلهم المنتصرين والأقوياء والأذكياء، في حين
الأخيار على العكس من ذلك فهم جبناء مساكين يتعرضون للضرب والإهانة من
الأشرار باستمرار.
فكل ما يعرضه التلفاز ويبرزه يجد له أنصارًا
وأتباعًا ومقتدين ومقلدين، حتى وإن كان من أسوأ الأمور، لأن عرضه - في أي
إطار كان المدح أو الذم - يساعد على تعريف الناس به وترويجه وإشاعته.
طرق التعامل مع الطفل والتلفاز:
إن الطفل المسلم يعيش في حالة اضطراب سيئة لهذا
التناقض بين ما يتلقاه من والديه ومدرسته وبيئته من تعليم وتربية وبين ما
يشاهده ويتلقاه من التلفاز خاصة من الشخصيات التلفازية التي جعله التلفاز
يحبها ويتخذها مثالاً أعلى يُحتذى. وهكذا يعيش الطفل والمراهق في صراع بين
تعليم الوالدين وتعليم التلفاز، ولماذا نقول صراعًا، فالوالدان ربما
يعلِّمان الشيء لمرة واحدة وقد يكرراه مرات قليلة ولكن التلفاز يدندن
يوميًا عكس ما يعلِّمه الوالدان فتكون الغلبة في النهاية للتلفاز، فتصبح
الأمور المحرمة عند الطفل أو المراهق شيئًا طبيعيًا لا يؤبه له، ثم يأخذ في
ارتكابها كما يشاهدها في التلفاز يوميًا.
لهذا كان من الواجب على الأبوين أن يراقبا باهتمام
ما يشاهده الطفل في التلفاز حتى لا تتشكل شخصيته وثقافته بحسب ما يشاهده في
التلفاز، وحتى يمنعا عنه ما قد يعمل على انحرافه أو تشجيعه على استخدام
العنف، لأن أول من سيدفع ثمن ذلك إخوانه وأخواته، حيث سيستخدم معهم العنف
لأجل تحقيق مطالبه. فإذا كان الأبوان لا يستطيعا أن يعرفا مسبقًا أي من
البرامج هي التي سوف يتأثر بها ولدهما، فالأفضل إذًا أن يُجنب مشاهدة
التلفاز قدر المستطاع.
إن على الأبوين ألا يتعاملا مع التلفاز على أنه
جهاز تسلية دون التفكر بما يبثه من برامج، ومن واجب الأبوين الصالحين ألا
يغيب عن بالهما طبيعة مشكلة التلفاز سواء من ناحية الأبناء، أو البيئة
المنـزلية، أو المجتمع، أو من ناحية خصائص التلفاز كوسيلة إعلام، أو من
ناحية ما الواجب فعله. ويمكنني أن أضع الطرق الآتية:
1- ترشيد استخدام التلفاز.
2- الإقلال من زمن مشاهدة التلفاز.
3- ترك مشاهدة التلفاز.
فهذه ثلاثة أنواع لطرق التعامل السليم لمشاهدة
التلفاز لا رابع لها، فمن كان التلفاز في بيته يعمل على غير هذه الأنواع
الثلاثة فلا يلومن إلا نفسه إذا ظهرت آثار التلفاز في نفس الولد أو أخلاقه
أو جسمه...
أما بالنسبة للجلوس أمام التلفاز فيما إذا رغب
الولد في مشاهدة برنامج من البرامج المفيدة؛ فإنني أنصح الوالدين بالنصيحة
الآتية وهي: أن يقوم الوالدان بتعليم أطفالهم الوضعية الصحيحة للجلوس،
ومتابعتهم باستمرار لتنفيذ هذه الوضعية وقاية لهم من الإصابة بأحد التشوهات
القوامية. كما أن على الوالدين أو أحدهما أن يتدخل باستمرار لتصحيح وضعية
الطفل كلما رآه يجلس في وضعية خاطئة، فالمعروف أن متابعة التلفاز تأخذ كل
تركيز الطفل فيغفل عن وضعية جلوسه. وأن يكون جلوس الطفل على بعد مناسب من
الشاشة (مترين على الأقل)، ولا يجلس بعيدًا جدًا عنه، لأن ذلك يجهد العين.
وأن تكون الشاشة في مستوى النظر أو أقل قليلاً، وألاَّ تكون في حال من
الأحوال أعلى من مستوى النظر.
عدم تأخير الصلاة:
إذا كان من الواجب نصح الوالدين المسلمين
وتحذيرهما من هذه الأضرار البدنية، فالواجب أكبر لنصحهما وتحذيرهما مما هو
أعظم وأخطر من ذلك بكثير، بل لا مقارنة بين ضرر يسببه التلفاز لولدهما
وتكون نتيجته ألمًا جسميًا، وضرر آخر يسببه التلفاز له وتكون نتيجته عذابًا
في جهنم. فالنصيحة الأهم مما سبق
كله؛ هي أولاً ألاَّ يشغله التلفاز عن واجب ديني، وفي طليعة هذه الواجبات
الصلوات الخمس. فلا يؤخر الصلاة عن وقتها بسبب مشاهدة برنامج من برامج
التلفاز. وعلى الوالدين أن يُعوِّدا ولدهما - خاصة إذا بلغ السابعة - تقديم
الصلاة على مشاهدة التلفاز والقيام لأدائها وعدم تأخيرها عن وقتها، وتعليمه
بأن الله قد حذَّر من ذلك فقال تعالى:
﴿فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ.
الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ﴾[3]،
أي؛ الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها المعلوم.
خاتمة:
قال الله تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ
وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ
اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾[4].
فالآباء مطالبون بوقاية أولادهم من كل ما يؤدي بهم إلى النار، وهذا في
مصلحة الأب نفسه حتى يكسب من ذلك - على الأقل - ولدًا صالحًا يدعو له بعد
وفاته، وهو أحد ثلاثة أشياء ينقطع عمل الإنسان بعد مماته إلا منها. فإذا
كان الطفل يتلقى عن التلفاز مبادئ إذا اعتنقها وأفعالاً إذا قلدها تؤدي به
إلى النار وجب على أبيه حمايته منه، أو على الأقل مراقبة ومتابعة ما يشاهده
ولده فيه من برامج.
كما أن الولد له حق على أبيه كما قال عليه الصلاة
والسلام: «وإن لولدك عليك حقًا»[5].
فالطفل أو الشاب يحتاج إلى أن يتلقى عن والديه التربية السليمة والعلم
النافع الذي سيفيده في دنياه وآخرته وأن يكونا له القدوة
الحسنة، وليتلقى عنهما النصح والإرشاد
في قضاياه الخاصة، ولا يريد منهما أن يُوجهاه نحو التلفاز ليتلقى عنه ما
يتلقى، ويرشده ويوجهه إلى ما فيه فساد دنياه وآخرته، وليقلد الشخصيات
التلفازية في أقوالها وأفعالها كيفما كانت.
فالله - عزَّ وجلَّ - سيسأل كل أب عن كل ولد من
أولاده كما أخبرنا بذلك رسول الله
[6].
فماذا يمكننا أن نقول عن الأم أو الأب الذي يترك لولده حرية التعامل مع
التلفاز؟ هل يمكننا أن نقول عنه إنه قد حفظ ولده، أم نقول إنه قد ضيعه؟.
يجب ألا يتجاهل الوالدان المسلمان تأثيرات التلفاز
السيئة على اعتبار أنهما يربيان ولدهما تربية إسلامية سليمة، نعم هذا يقلل
الأضرار والأخطار ولكن يجب عليهما أن يعلما أن تأثير التلفاز على الطفل
تأثير ثابت، ولا ينبغي للوالدين أن يقللا من خطره، أو يهوِّنا من أمره.
ربما يكون تأثير التلفاز على الطفل الذي نشأ نشأة دينية صحيحة يختلف في
شدته ونوعيته عن تأثيره على الطفل الذي نشأ على غير ذلك، ولكن الثابت أن
التلفاز مؤثر على كلا النوعين، ومن واجبنا الإسلامي أن نحمي أطفالنا من
الأضرار وألا نلقي بالاً لما يقدمه تجار التلفاز من أعذار.
لقد اجتاح معظم دول العالم - خاصة المتقدمة
تلفازيًّا - خوف كبير على أطفالهم ومراهقيهم وشبابهم من التلفاز، وأخذوا
يضعون الحلول لحماية أبنائهم منه ومن برامجه خاصة العنيفة والجنسية... وعلى
المسلمين أن يستفيدوا كليًا من الضياع العالمي، وبداية الصحوة العالمية في
شأن التلفاز، قبل أن يدخل أولادهم في متاهة العصر التلفازي التي تبذل تلك
الدول جهدها للخروج منها.
وختامًا أسأل الله تعالى أن يوفقنا إلى ما يحبه
ويرضاه، وأن يعلمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علَّمنا، وأن ينفع بنا غيرنا
من المسلمين، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلَّم تسليمًا.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أخوكم
عدنان الطَرشَة
[1] هذا
الموضوع منقول من كتاب عدنان الطرشة: «ولدك
والتلفزيون».
[2] صحيح
الجامع الصغير، رقم: 1771.
[3] سورة
الماعون، الآيتان: 4-5.
[4]
سورة التحريم، الآية: 6.
[5]
أخرجه مسلم في كتاب الصيام، باب النهي عن صوم الدهر.
[6]
صحيح الجامع الصغير، رقم: 1774.
رابط
الموضوع في موقع عدنان الطرشة
ولدك والتلفاز
لتنزيل الملف
pdf:
ولدك والتلفاز