تمهيد:
خلال مسيرتي التدريبية في الفن القتالي الكيوكوشن التي تعود إلى العام 1392هـ -
1972م لطالما رأيت أن نسبة إصابات الفنون القتالية هي أقل بكثير بالمقارنة مع بعض الرياضات الأخرى مثل كرة القدم. فعلى الرغم من أن تدريب الفنون
القتالية الأخرى يحتوي على مادة القتال الذي يتضمن الدفاع والضرب باليدين والرجلين
وهو مما يؤدي إلى احتكاك كامل بين اللاعبين وتصادمات بين الأيدي والأرجل والضرب على
أجزاء الجسم المختلفة إلا أن الإصابات الكبيرة والضارة تبقى أقل بكثير من إصابات
كرة القدم التي لا تحتوي على قتال. ومرد ذلك يعود إلى أن التصادمات في كرة القدم
تكون عشوائية وغير متوقعة في حين أن القتال في الفنون القتالية يكون عن فن وتركيز
في توجيه الضربات والاستعداد الكامل لصدها أولاً بأول، وكذلك وجود القدرة على تحمل
الضرب على بعض أجزاء الجسم من الفخذين والبطن والصدر. ومن الأمور التي تتكرر على
مسامعي حين أسأل عن سبب غياب البعض عن تدريب الكيوكوشن؛ أن غيابهم كان بسبب وجود
إصابة ولكنها ليست من القتال وإنما من لعب كرة القدم! وقليلاً جدًا ما سمعت أن
أحدهم قد غاب عن التدريب بسبب إصابة في الكيوكوشن.
ومع كل ذلك يبقى احتمال وقوع إصابة قائمًا خلال القتال وتدريبات الفنون القتالية،
مثل: الكدمات، والرضوض، وقطع في الجلد أو سحقه، والشد العضلي، والتمزق في العضلات
والأربطة والأوتار، والالتواءات، وربما في حالات قليلة شبه كسور أو كسور في العظام.
وتكون نسبة الإصابة عند المبتدئين أكثر منها عند المتقدمين والمحترفين. وأحيانًا
يكون سبب الإصابة هو عدم تقديم شرح كافٍ للاعبين عن الأجزاء المعينة المستخدمة في
تسديد اللكمة أو الرفسة، فمثلاً لا بد من التوضيح للاعب بأن هناك جزءًا محددًا في
القبضة يستخدم في تسديد اللكمات وهو مفصلي أصبعي السبابة والوسطى؛ لأنها الأكبر
والأقوى في القبضة بالمقارنة بمفصلي البنصر والخنصر الصغيرين الضعيفين، وفي كثير من
حالات الإصابة في اليد تكون بسبب توجيه الضربات إلى هدف ما بواسطة الجزء الخطأ.
وعند توجيه اللكمة لا بد من ترك ثني صغير بمفصل المرفق وعدم فرد المفصل إلى نهايته
تجنبًا للضغط عليه وإصابته بضرر، سواء عند توجيه اللكمة إلى هدف ما أو أثناء
التدريب العادي وتسديد اللكمات في الهواء. وكذلك الأمر بالنسبة للقدم فتوجيه الرفسة
الدائرية العالية إلى الوجه - مثلاً - يكون بمشط القدم أي بظاهر القدم من أعلى وعدم
تسديد الضربة بأصابع القدم التي عند اصطدامها بالرأس يمكن أن تتعرض لرضات أو كسور.
وفي جميع الأحوال لا بد لممارسي الفنون القتالية أن يتخذوا الاحتياطات اللازمة لمنع
الإصابات والوقاية منها أو التقليل من خطرها في سبيل الاستمرار في التدريب وعدم
الانقطاع عنه للوصول إلى تحقيق الأهداف من تعلم هذه الفنون والتدرب عليها.
أنواع
الإصابات وطرق تجنبها:
هناك قسمان من الإصابات في الفنون القتالية: قسم يكون في القتال، وقسم يكون في التدريب العادي خارج
القتال.
التدريب العادي:
في
التدريب العادي هناك عدد من الإصابات مثل: الالتواءات، والشد العضلي، والتمزق
العضلي، وشد الأوتار والأربطة...
إن
خط الدفاع الأول والوقاية الكبرى من هذه الإصابات هو تمارين الإحماء قبل الشروع في
التدريب. ويضاف إلى ذلك اختيار الأرضية المستوية؛ لأن الأرضية الملتوية أو وجود
الفراغات فيها يسبب الالتواءات في القدم وأصابعها وكذلك في الركبة، وذلك عند قيام
اللاعب بالاندفاع إلى الأمام أو الدوران لتسديد ركلة أو تنفيذ حركة فنية ما مع
المشي أو الجري. وكذلك توزيع الوزن والوقوف الصحيح والتوازن عند الرفس بالرجل يمنع
التواءات القدم.
وعند العودة إلى التدريب بعد انقطاع فإن التدرج في التدريب للعودة إلى المستوى الذي
وصل إليه اللاعب قبل الانقطاع يمنع الشد أو التمزق العضلي أو حتى مجرد آلام
العضلات، فالمرونة في العضلات تنقص بالتوقف عن التدريب ولا بد من التدرج في اكتساب
المرونة السابقة.
وبشكل عام يمكن للإنسان أن يتدرب لسنين ولا يحدث له أي إصابة من أي نوع في التدريب
العادي إذا أخذ في اعتباره هذه التوصيات.
القتال:
على عكس التدريب العادي الذي يمكن للاعب ولسنين أن يتجنب فيه الإصابات، فإن حدوث
الإصابات في القتال مثل الكدمات والرضوض والقطع والالتواءات.. وما شابه ذلك لا يمكن
تجنبه بسبب الاحتكاك المباشر والتصادم بين العظام. وفي كثير من الحالات فإن سبب
حدوث الإصابات هو عدم إتقان الحركات المستخدمة وعدم تركيز أحد اللاعبين أو كلاهما
على ما يستخدمان من فنون بالأيدي والأرجل وتكون الحركات عشوائية وبوقت واحد من
الطرفين وهنا يكون التصادم بالعظام وحدوث الإصابات التي لم تكن لتحدث لولا ذلك. إن
مثل هذه الإصابات يمكن التقليل منها بشكل كبير من ناحية، ومن ناحية أخرى يمكن منعها
أو جعلها يسيرة جدًا وذلك بأخذ بعض الاحتياطات عند مزاولة القتال بين الزملاء.
فمن أجل التقليل من الإصابات يجب أن يكون القتال بحركات متقنة وبتركيز ومتابعة من
اللاعب لما يقوم به بحيث لا يكون هناك أي حركات عشوائية غير محسوبة، وكذلك بتركيز
ومتابعة لما يقوم به اللاعب الآخر. ففي مثل هذه الحالة تكثر إصابة المنطقة
التناسلية الحساسة (الخصيتين) بواسطة الرفسات العشوائية. كذلك الانتباه إلى أوضاع
اليدين والرجلين واتخاذ الأوضاع الصحيحة؛ فعند تسديد لكمة يجب أن تكون القبضة مقفلة
بشكل جيد والأصابع موضوعة بشكل صحيح، وعدم لوي القبضة عند إصابة الهدف لتفادي
التواءات وإصابات أصابع اليد والرسغ، وكذلك ترك ثني يسير بمفصل المرفق وعدم فرد
اليد بشكل كامل من أجل تجنب أي التواء أو ضغط على المفصل عند تسديد اللكمة. وعند
استخدام بعض أنواع الفنون التي تتطلب أن تكون اليد مفتوحة لاستخدام الكف أو الأصابع
فيجب فتح الكف بشكل كامل وضم الأصابع إلى بعضها.
أما عند تسديد رفسة فيجب ثني القدم في الاتجاه الصحيح وعدم تصويب أصابع القدم إلى
الهدف والضرب بها مباشرة بل جعلها بعيدة عن الاصطدام لتفادي حدوث التواء بها أو
إصابة للمفاصل.
يجب أن نتذكر بأن إتقان الحركات وتنفيذها بشكل صحيح ضروري جدًا ليس فقط من أجل منع
الإصابات بل من أجل أن تكون الحركات قوية وفعالة. إن أكثر هذه الإصابات تحدث بسبب
تسديد لكمة أو رفسة بشكل غير صحيح، وهذا يمكن أن يحدث حتى في حال كان اللاعب يسدد
الضربات إلى كيس أو هدف آخر فيسبب الإصابة لنفسه بنفسه، أو بسبب قيام اللاعب الآخر
بصد القدم أو اليد مباشرة على الأصابع، وفي حال حدث شيء من ذلك فيجب التوقف فورًا
عن القتال لمعالجة الإصابة بدلاً من مواصلة القتال والمخاطرة في تفاقم الإصابة.
وإضافة إلى ما ذكرت من أسباب يمكن عند اتخاذها تفادي حدوث الإصابة، فإن ارتداء
واقيات الأعضاء المختلفة خاصة الضرورية منها يمنع حدوث الإصابات. ومن ذلك واقي
الخصيتين الضروري عند كل ممارسة للقتال، وللصغار والكبار، وكذلك واقي الساقين،
والرأس، والأسنان. فارتداء مثل هذه الواقيات لا يمنع الإصابات فحسب بل يساعد اللاعب
على مواصلة التدريب ومواصلة القتال وعدم الانقطاع عنه بسب إصابة ما، وهو ما توصي به
مدارس الفنون القتالية المختلفة، خاصة بالنسبة للأطفال والإناث وكبار السن. ومع أن
نسبة إصابات الرأس والوجه هي أقل من غيرها - خاصة في الفنون التي تمنع الضرب باليد
على الوجه وتسمح بالرجل - إلا أن ارتداء خوذة الرأس يمنع الإصابة ويمنح اللاعب
الأقل خبرة ثقة في نفسه للدخول في القتال وعدم الخوف من إصابة وجهه برفسات الرجل.
وقد لا تكفي خوذة الرأس فقط لحماية الرأس، إذ في الرأس يوجد الأسنان أيضًا ولها
واقٍ خاص بها وفي استخدامها زيادة في نسبة الحماية والوقاية. أما المتقدمون وذوي
الخبرة في القتال فيمكن لهم عدم استخدام خوذة الرأس سواء في القتال داخل النادي أو
في البطولات. وفي بعض الفنون القتالية فإن المحترفين أنفسهم يرتدون خوذات الرأس في
البطولات وخلال التدريب العادي.
وهكذا؛ فإنه بالإحماء بشكل صحيح وكافٍ، والتدرب بعناية وارتداء الواقيات اللازمة،
يمكن تجنب الكثير من الإصابات الشائعة التي تعرقل التدريب الصحيح الكامل أو تسبب
التوقف المؤقت عن التدريب بالكلية.
علاج
إصابات الفنون القتالية:
لا
بد أولاً أن نعلم بأن أي نصيحة أو وصف طريقة لعلاج إصابة ما لا يعد بديلاً عن
مراجعة الطبيب المختص وتلقي العلاج على يديه.
إذا أخذنا هذا في الاعتبار فيمكنني القول بأنه من خلال التجربة الطويلة ونصائح
الأطباء فإن هناك إجماعًا على أن الثلج هو العلاج الفوري السريع والأنجع للإصابة
بالالتواءات، والصدمات، والكدمات.. أي وضع الثلج على مكان الإصابة وتكرار ذلك عدة
مرات في اليومين الأولين للإصابة، ولا يكفي مرة أو مرتين يفعلهما في البيت مثلاً،
بل حتى إذا ذهب إلى العمل أو إلى مكان الدراسة فعليه أن يفعل ذلك بعض المرات، لأن
المطلوب تكثيف وضع الثلج على موضع الإصابة من أجل منع الالتهاب والورم. ثم في اليوم
الثالث يمكن التناوب بين الثلج والساخن، وبعد ذلك الاستمرار في الساخن بقدر ما
تحتاج إليه الإصابة من مدة لكي تتعافى وثلاث مرات في اليوم، أو مرتان على الأقل قبل
الذهاب إلى العمل أو الدراسة وبعد العودة إلى البيت.
فبالنسبة لاستخدام الساخن فالطريقة الشائعة هي نقع العضو المصاب في الماء الساخن،
وهذا يفيد إلى حدٍ ما بشرط أن لا يحرك العضو بحركات قسرية بواسطة عضو آخر؛ فعلى
سبيل المثال: إذا كانت الإصابة في القدم فلا يحركها بيده بل يحرك القدم بحركات
ذاتية (نفسها بنفسها)، وهكذا إذا كانت الإصابة في أصابع القدم فيحركها ذاتيًا دون
تدخل باليد. وبعد إخراج العضو المصاب من الماء يجففه بمنشفة ويضع عليه بعض المراهم
الخاصة بهذه الحالات، ويكرر ذلك ثلاث مرات في اليوم. وهناك المراهم الصناعية التي
يمكن الحصول عليها من الصيدلية، وكذلك هناك المراهم الطبيعية من الأعشاب كالحلبة
مثلاً، فيمكن عمل ضمادة منها ووضعها على مكان الإصابة أو الورم، وقد جرب بعض
تلاميذي ضمادة الحلبة فكانت فعالة وجعل الله فيها الشفاء سريعًا. وعن الحلبة قال
ابن القيم رحمه الله في كتابه الطب النبوي: ((وإذا ضُمِّد به الأورام الصلبة
القليلة الحرارة، نفعتها وحللتها))[1]
وهناك طريقة أخرى لاستخدام الساخن مفيدة أيضًا؛ وهي استخدام منشفة فيطمسها في الماء
الساخن ثم يلف بها العضو المصاب، وفي هذه الطريقة إضافة مهمة قد تكون - في بعض
الحالات - أكثر فعالية من النقع في الماء وهي أن المنشفة الحارة ستعمل على اختراق
البخار لمسامات الجلد عميقًا داخل العضو المصاب، وهذا مناسب لإصابات المفاصل
والأوتار والأربطة.
طبعًا هناك طرق أخرى لمعالجة إصابات الفنون القتالية المختلفة، ولكن ذكرت هاتين
الطريقتين لحفظهما وتذكرهما لكونهما تعالجان الإصابات الأكثر شيوعًا. وتبقى مراجعة
الطبيب المختص ضرورية في الحالات الكبيرة والمهمة. أما بعض
الرضوض
الخفيفة فإنها
تظهر وتختفي ولا تحتاج لأي علاج مثل
الرضوض
التي تظهر على الساعدين والساقين
بلون أخضر أو أزرق
نتيجة استخدامهما في صد الضربات.
[1] ابن القيم: الطب النبوي 4/302.
تنزيل
المقال pdf
|