بسم
الله الرحمن الرحيم
المقدمة
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من
شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي
له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده
ورسوله.
أما بعد:
فإن المرأة آية من آيات الله تعالى.. ومن أجمل متع الحياة
الدنيا.. ونعمة عظيمة أنعم الله بها على الرجل بدءًا بآدم عليه السلام ثم
لسائر الذكور من ذريته.. والنعم التي يُنعم الله بها على الرجل بواسطة
المرأة لا تحصى.. فهي تغض بصره وتُحصن فرجه.. وتُنجب ذريته وترضعهم
وتربيهم.. وتحضِّر طعامه، وتغسل ثيابه، وتنظف بيته، وتُكرم ضيوفه..
تمرِّضه إذا مرض.. وتواسيه إذا حزن.. تفرح لفرحه وتغضب
لغضبه.. لا يستغني عنها الرجل ما دام حيًا؛ فهي ضلعه وشقه الآخر.. عند
مرفئها ترسو سفن أحلامه.. ومن حنانها وعطفها ورقتها يستمد.. وفي حضنها
تستريح أعصابه المتوترة وتهدأ نفسه.
إن نِعم الله في المرأة كثيرة
جدًا
﴿وإن
تعدوا نعمت الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار﴾[1]
ومع ذلك فإن كثيرًا من الرجال يظلمون المرأة، ويجحدون فضلها، ولا
يُقدِّرونها حق تقديرها، بل هم عن معاشرتها بالمعروف غافلون.
فالرجل حريص جدًا على النجاح في كل ميدان، وهو في ميدان
التعامل مع الناس يتعرف أولاً على طبيعة شخصية الآخرين وميولهم وما يرضيهم
وما يغضبهم، ثم يتعامل مع كل واحد بما يناسبه من طرق التعامل؛ ليكون الوفاق
بينهما على أتمه.. ولا تخلو هذه الطرق من وجود الاحترام المتبادل، والكلام
اللطيف، وعبارات الإعجاب بشخص الآخر والثناء على أفعاله، والسماع له
واستشارته واحترام رأيه والصبر على أذاه وغير ذلك من الأمور الحسنة.
هذا ما يفعله الرجال في علاقاتهم مع الآخرين، وبالوقت نفسه
كثير منهم يهملون هذه الأمور مع زوجاتهم، فلا يتعرفون حقيقة شخصية الأنثى
وطباعها وخصائصها، وأعضاء جسمها ووظائفها، والتغيرات الجسمية والنفسية
والعقلية التي تحصل لها، وذلك لإيجاد أفضل الطرق لمعاشرتها وأحسن أساليب
التعامل معها والنجاح في استخدامها... ويهملون بالأخص كلام الحب والحنان،
والثناء والإعجاب، وتصبح العلاقة مع الزوجة رتيبة وجامدة وأقل بكثير من
مستوى التعامل مع زميل في العمل.
ربما لأنهم يعتقدون أن التكلف غير ضروري مع الزوجة، أو أن
الزوجة قد أصبحت من أهل البيت ولا حاجة إلى اتباع طرق معينة في التعامل
معها كما هو الحال مع الآخرين، أو لأنهم يعتقدون أن التعامل مع الزوجة لا
يحتاج إلى علم وتعلم وفن، وربما لأنهم يظنون بأن الحياة الزوجية تعني
الجماع فقط وفيما عداه تكون علاقتهم بزوجاتهم علاقة شخصين يعيشان في بيت
واحد.
إن من يدرس نفس المرأة وعقلها وميولها يكتشف أن كل هذه
الاعتقادات خاطئة، وأن التعامل مع الزوجة يحتاج فعلاً إلى علم وتعلُّم وفن؛
ولهذا علَّمنا خالق المرأة في كتابه الكريم كيفية التعامل معها، وكذلك
علَّمنا رسوله صلى الله عليه وسلَّم الطرق الصحيحة والناجحة للتعامل مع
المرأة، وأوصى الرجل توصيات كثيرة تتعلق بها، وهذا إن دل على شيء فإنه يدل
على أن التعامل مع المرأة مهم جدًا وحساس، وعليه ينبني نجاح الحياة الزوجية
أو فشلها، وصلاح الأسرة أو فسادها، وأن التكلف ضروري معها كأنها ضيف عزيز
حلَّ في البيت، ولا أكون مبالغًا إذا قلت: إن أحب شيء على قلب المرأة هو أن
يعاملها زوجها كل يوم وكأنه اليوم الأول في الزواج من حيث المعاملة الرقيقة
والعاطفية والحب والحنان والثناء عليها والتغزل بجمالها وإسماعها العبارات
التي تشعرها بكيانها وأنوثتها.. حيث إن أسعد لحظة في حياة المرأة هي عندما
تسمع كلمة حلوة من زوجها.. حين يكشف لها عن مشاعره المتدفقة وحبه الجارف..
إنها تنسى همومها ومتاعبها وتتحول إلى إنسان آخر يفيض بالحب والعطاء بلا
حدود.. وإن متعة المرأة في ذلك تعادل متعة الرجل في الجماع إن لم تفقها..
ولا شك أن استخدام الرجل لهذه الطريقة مع زوجته تجعل منه
زوجًا مثاليًا ورجل بيت ناجحًا، وإن عدم استخدامها ينتج عنه كثير من
المشكلات والخلافات والمواجهات وإن كان سببها الظاهر غير ذلك.
لقد اكتشفت من خلال المقابلات الشخصية مع الرجال المتزوجين
أن هناك أفكارًا ومعلومات خاطئة عن المرأة.. بل هناك جهل في تكوين جسم
المرأة ومواصفات أعضائه ووظائفها مع أنه الشيء الظاهر والأقرب إلى الرجل،
فكيف يكون الأمر إذًا مع صفاتها النفسية والعقلية وهي الباطنة؟! وسواء كانت
المرأة تعرف هذه الأمور والمعلومات عن خَلْقِها أو خُلُقها أو تجهلها فهذا
ليس مهمًا، إنما المهم والمطلوب أن يعرفها من يتعامل معها باستمرار وهو
الزوج، لأنه لو اقتصر الأمر على الجهل بطبيعة المرأة ولم يؤد هذا الجهل إلى
أضرار لكان الأمر هينًا، ولكن كثيرًا من الأذى والظلم يقع على المرأة من
زوجها بسبب جهله بطبيعة الأنثى وخصائصها، وجهله بتأثيرات العوامل والتغيرات
والتقلبات التي تحدث لها خاصة في أثناء الحيض والحمل والنفاس.
وهذا ما دفعني إلى تأليف هذا الكتاب وأسميته ((دليلك
إلى المرأة)) الذي
حاولت فيه بقدر استطاعتي تقديم تشريح مبسط عن جسم المرأة وصفاتها النفسية
والعقلية، وكذلك التغيرات التي تطرأ عليها، وطرق معاشرتها وأساليب التعامل
معها في أوقات هذه التغيرات، بما يساعد على فهم المرأة فهمًا كافيًا كأنها
كتاب مفتوح.. فكلما كانت معرفة الرجل بالمرأة أكبر وأوسع كانت علاقته
بزوجته أنجح وأجمل، وأكثر ألفة وتوافقًا، وأقل نزاعًا وشقاقًا.
إن الوصول إلى معرفة المواصفات الجسمية للأنثى سهل وميسور،
وقد بيَّن علماء التشريح ووظائف الأعضاء هذه المواصفات بدقة بالغة، ولكن
سبر أغوار نفس المرأة ومعرفة صفاتها وطباعها لهو من أصعب الأمور؛ فالمرأة
بحر زاخر من الصفات والأخلاق؛ قد ضل فيها الكثيرون من العلماء والكتاب
والاختصاصيين النفسيين؛ فمنهم من بالغ في الوقوف معها ففتنها، ومنهم من وقف
ضدها فظلمها، وقد رأيت أن خير الأمور أوسطها، وأن خير سبيل أسلكه في تشريح
نفس الأنثى هو أن أذكر ما لها وما عليها، ليس عن اختيار للحياد فحسب بل لأن
السبيل الذي اخترته يفرض عليَّ ذلك، وإنني أؤمن جدًا بأن هذا السبيل هو
الحق، وأن اختياري هو الأصوب، وكيف لا يكون كذلك وقد اخترت تتبع ما أخبر
خالق المرأة عن خَلْقها وخُلُقها، وما أخبر به رسوله صلى الله عليه وسلَّم،
وما أثبته الواقع والمشاهدة، وليس هناك أحد أعلم بالمرأة من خالقها عزَّ
وجلَّ ورسوله صلى الله عليه وسلم.
إن هذا الكتاب يمكن أن يستفيد منه الرجل الأعزب أو المتزوج،
وأنصح كل أنثى مقبلة على الزواج أن يكون هذا الكتاب بحوزتها لتهديه لزوجها
عند الزواج ليعرف تكوينها الجسمي وصفاتها النفسية وتغيراتها المختلفة،
وللغرض نفسه أنصح كل سيدة متزوجة أن تهدي الكتاب لزوجها فيقوم بتعديل مسار
حياته الزوجية إلى الأفضل، وتصحيح طريقة معاشرتها والتعامل معها ليتدارك ما
يمكن أن يقع من أضرار بها ثم به، ولتعود الفائدة والسعادة عليهما جميعًا.
وإلى جانب ما ضمَّنت في الكتاب عن صفات المرأة الجسمية
والنفسية والعقلية والتغيرات المختلفة، ولمزيد من الفائدة للرجل والمرأة
على السواء؛ ألحقت به قائمة بالصفات والأفعال التي تكرهها المرأة في الرجل،
كنت قد حصلت عليها من النساء بواسطة استفتاء وزعته في عدة بلدان وعلى
جنسيات مختلفة، وقد دل هذا الاستفتاء على أن معظم النساء يتوافقن في كره
هذه الأفعال والصفات؛ فالأنثى هي الأنثى أينما كانت. ولهذا فإن معرفة الزوج
بمحتويات هذه القائمة تعينه على تجنب ما ورد فيها؛ فتسلم حياته الزوجية من
الخلافات والمنغصات وتنعم بالسعادة والطمأنينة.
وإمعانًا في رد كيد إبليس إلى نحره، وهو الذي يعد التفريق
بين الزوجين أعظم إفساد تقوم به جنوده في الأرض كما أخبر النبي صلى الله
عليه وسلَّم؛ جعلت في آخر الكتاب بطاقتين فارغتين إحداهما للزوج والأخرى
للزوجة ليسجل كل منهما فيها ما يحبه شخصيًا من الصفات والأفعال وما يكرهه؛
وبذلك يعرف كل طرف مسبقًا هذه الأمور فيأتي ما يحبه الطرف الآخر ويتجنب ما
يكرهه.. فتمضي الحياة الزوجية بينهما سعيدة وهنيئة وتخلو من المشكلات
والخلافات ما استطاعا إلى ذلك سبيلاً.
ولا أدَّعي الكمال فيما كتبت، فالكمال لله وحده، وقد أبى
الله أن يتم كتابًا إلا كتابه.. وحسبي أنني بذلت الجهد واجتهدت على قدر
استطاعتي، وأرجو من الله عزَّ وجلَّ أن أكون قد وُفقت فيما هدفت إليه،
وأرجو منه سبحانه أن ينفع بهذا الكتاب الأزواج المسلمين والمسلمات في كل
مكان، وأن يجعله في ميزان حسناتي يوم الحساب والعرض عليه.
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلَّم تسليمًا.
عدنان الطَرشَة
[1] سورة إبراهيم، الآية: 34.