الحمد
لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير
الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله
وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فإن أصدق
الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد
صلى الله عليه وسلَّم، وشر الأمور
محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
إن الأب
المسلم حريص جدًا على تربية ولده التربية
الحسنة، وتنشئته النشأة الصالحة،
والعناية بجسمه وصحته، وبناءً على ذلك،
فلا يرضى أن يُدخل إلى بيته شخصًا سيئ
الأخلاق، أو يجلس ولده مع رفيق سوء، لأجل
الحفاظ على دين ولده وسلامة أخلاقه، فلا
يرى من هذا أو ذاك سيئ الأفعال وسوء
الأخلاق فيتعلم مما يشاهده منهما، وكذلك
لا يرضى لولده أن يقوم بأشياء تضر جسمه
وتؤذيه.
فإذا ما
وصل الأمر إلى جهاز التلفاز تبخَّر عند
الأب كل هذا الحرص على دين ولده وأخلاقه
وجسمه، فلا يمانع أن يجلس ولده إلى هذا
الدخيل وجليس السوء فيشاهد فيه أنواعًا
شتى وصنوفًا مختلفة من أفعال الشر
والإجرام والعنف والجنس من قتل وضرب
واغتصاب وتقبيل وجماع وسرقة وسكر وكذب وغش
وتزوير واحتيال وإدمان للدخان والمخدرات
وفسق وفجور وعقوق وتمرد...إلخ. ولا يخاف من
أن يتعلم ولده شيئًا مما يشاهده فيه، كذلك
الأمر بالنسبة لجسمه حيث لا يمانع من أن
يجلس ولده الجلسات الطويلة أمام
التلفاز فيتضرر جسمه أضرارًا مختلفة،
وربما هو الذي يدعوه إلى هذا الجلوس.
ربما لأن
التلفاز مخدر كهربي، أو غاسل دماغ، أو
منوم مغناطيسي... أو أي وصف آخر من الأوصاف
التي أطلقها عليه العلماء من أبناء
البلدان التي اخترعت هذا الجهاز، فيجعل
الأب يتعامى عن كل هذه الأضرار التي يمكن
أن تلحق بولده منه، وربما لأن التلفاز قد عمل على تخدير الأب نفسه.
وربما لا
يملك الأب من المعرفة أو المهارة ما
يستطيع به المحافظة على ولده صحيحًا
نفسيًا وبدنيًا... وربما لا يجد الوقت الذي
يسمح له بالتواجد مع ولده يبادله الخبرات
الصحيحة عن الحياة التي تهيئ له العلاقات
السليمة مع الآخرين.. وربما لأن مشاغله
الدنيوية تدفعه إلى استخدام التلفاز كمربية تحتضن ولده فيشغله بعض الوقت أو
جزءًا كبيرًا منه دون أن ينظر إليه كأداة
تتطلب منه وقتًا يصحب فيه ولده ويشترك معه
في مشاهدة برامجه حتى يستعمله الاستعمال
الصحيح...
كثير من
الآباء ينظرون إلى جهاز التلفاز نظرة
سطحية، كمن ينظر إلى قنبلة على أنها مجرد
كرة حديد يمكن ركلها واللعب بها، ولا يعبأ
بما في داخلها من المواد المتفجرة
والقاتلة، ينظرون إلى التلفاز على أنه مجرد جهاز للتسلية، ولا يأبهون لمضمون
ما يبثه من مواد سيئة وضارة. فمن باب التسلية هذا تدخل الشرور والمفاسد إلى
عقول الأطفال وأنفسهم، فبعضها يظهر فورًا في أقوال الطفل وتصرفاته، وبعضها
لا يظهر فورًا وإنما مع مرور الزمن، حيث يستمر دخول هذه الشرور والمفاسد
بانتظام وتتراكم في داخل نفس الطفل وتدخل في صميم قناعاته الشخصية على أنها
جزء حقيقي من السلوك الإنساني والاجتماعي، وعندما يكبر ويصل إلى مرحلة
المراهقة حيث تبرز شخصيته ويزداد استقلالاً عن الكبار، تظهر هذه الأمراض في
أخلاقه وتصوراته وسلوكه وأقواله، ويبدأ في التعامل مع أهله ومع الناس من
خلال ما تجمع لديه من مشاهداته التلفازية.
لقد
استأثر التلفاز بقلوب الناس، وانتشر في
مختلف العائلات والطبقات، واقتنع كثير
منهم في أنه لا يمكن العيش بدونه، حتى
تعاموا عن سيئاته وأضراره على أبنائهم، بل
ربما وجدوا أن عليهم القبول بها ولسان
حالهم ومقالهم يردد: «التلفاز سلاح ذو
حدين»، وكأن عليهم التسليم لكل اختراع
جديد وإن كان له أضرار أو أن سيئاته أكثر
من حسناته.
لقد
بيَّن علماء الإسلام وما زالوا يبيِّنون
ويكشفون أخطار برامج التلفاز على الدين
والأخلاق وأُلِّفت عن هذا الجانب الكتب
الكثيرة، بل إن أصوات العلماء الغربيين
والهيئات والرابطات الطبية والاجتماعية
والاختصاصيين النفسيين والمدرسين
والمربين وغيرهم بدأت تتعالى ضد
التلفاز ليس من منطلق ديني وإنما من
منطلق أخلاقي ونفسي وصحي وبسبب تأثير
التلفاز الضار والمدمر على التربية
الاجتماعية وعلى عقول الأطفال بالذات.
وهذا ما دفعني إلى تأليف هذا الكتاب الذي أسميته: «ولدك والتلفزيون»، لأنه وإن كان هذا
هو موقف كثير من الآباء من التلفاز،
فهذا لا يمنع من القيام بواجب توعيتهم
وتعريفهم بأضرار التلفاز وآثاره السيئة
على أبنائهم، وهذا هو هدف الكتاب.
فقد
أحببت أن أبين لإخواني المسلمين الآثار
السيئة للتلفاز على جسم الطفل وصحته
بسبب الجلوس الطويل أمامه لمشاهدة
برامجه، بغض النظر عن نوعية البرامج التي
تُعرض فيه إن كانت غثة أو سمينة، نافعة أو
ضارة. هذا من جانب، ومن جانب آخر فبما أن
البرامج المفيدة نفسيًا وجسميًا معروفة
ولا تحتاج إلى تعريف، بل البرامج المضرة
بالطفل نفسيًا وجسميًا هي التي يخفى ضررها
على كثير من الآباء والأمهات، فقد اخترت
بعض البرامج وبينت أضرارها على نفس الطفل
وجسمه وصحته. وقد أكدت كل ذلك وأثبتُّه
بأقوال الأطباء والاختصاصيين خاصة من
أبناء الدول التي اخترعت جهاز التلفاز.
لقد
عرفتُ أهمية هذه الوسيلة الإعلامية
الخطيرة والفعالة في حياة الناس وخاصة
الأطفال، وعرفتُ تأثيرها وإمكانية
استغلالها في نشر أي شيء وتعميمه وتعليمه،
خيرًا كان أم شرًا، وقد وجدتُ أن لدي أشياء
مفيدة للناس يمكن تقديمها لهم فقمت بحكم
خبرتي في التدريب الرياضي بإنتاج شريطي
فيديو للتمارين الرياضية، هما: «التمارين
الرياضية للجميع» و«تمارين الحامل
الرياضية»، وبعدهما قمت بتقديم برنامج «تفضل
وتمرن» من خلال محطة التلفاز، وكان أكثر
المتمرنين معي بواسطة هذا البرنامج هم
الأطفال. فقد وجدتُ أن هذه الفائدة مهما
حاولتُ تقديمها إلى أكبر عدد من الناس
بشكل مباشر فلا مجال له للمقارنة مع
الأعداد الهائلة التي يمكن أن أقدمها لهم
من خلال التلفاز سواء في البلد نفسه أو
في البلدان الأخرى التي يصلها بث هذه
المحطة. وهكذا تكون خطورة التلفاز عندما
يكون الشيء المقدم شرًا وضررًا بدلاً من
خير وفائدة.
والطفل
الذي يتابعني في هذه البرامج لا يعد
مشاهدًا سلبيًا بالمعنى الصحيح لأنه يقوم
بممارسة الرياضة أمام التلفاز كما لو
كان في نادٍ رياضي.
بمثل ما
فعلتُ يمكن لكل متخصص في علم من العلوم
التي تفيد الأطفال بدلاً من أن يستفيد منه
عدد محدود من الأطفال يحضرون معه، يمكن أن
يستفيد منه ملايين الأطفال. بل بالإمكان
الاستفادة من التلفاز في تعليم الطفل
الكثير من الأمور التي لا يستطيع الأهل
تعليمه إياها لانشغالهم في أمور الحياة،
وربما هم أنفسهم يجهلون هذه الأمور،
فبالإمكان تعليم الطفل الكثير من أمور
الدين والتربية السليمة وتوعيته بأمور
النظافة والصحة وطرق الوقاية من الأمراض
وتحذيره من الوقوع في العادات السيئة
وتعريفه بعالم الحيوان والنبات...إلخ.
فتأثير التلفاز في الطفل كبير وقوي ومن
هنا تأتي خطورته أيضًا فكما يكون تأثيره
قويًا في الأمور الحسنة فكذلك تأثيره في
الأمور السيئة.
وقد اقترحتُ في الكتاب الآخر عن التلفاز إرسال عدد من الأقمار الصناعية إلى
الفضاء أو استئجار قناة في عدد من الأقمار لإيجاد «قنوات تلفاز إسلامية فضائية» بحيث
تغطي الكرة الأرضية وتبث بجميع اللغات
تخصص لنشر الإسلام، وقلت بأن ذلك سهل إذا
اتفقت عليه بعض الدول أو الهيئات
الإسلامية كما أمكنهم من قبل إيجاد إذاعات
للقرآن الكريم؛ ويمكن أن أضيف هنا بأن
تخصص قناة إسلامية للأطفال أو برامج
إسلامية خاصة بهم، وبذلك يمكن أيضًا تعريف
أطفال العالم بدين الفطرة التي ولدوا
عليها قبل أن يهوَّدوا أو ينصَّروا أو يمجَّسوا من قبل آبائهم[1].
فنحن مع
التلفاز كوسيلة لنشر مثل هذا الخير وهذه
الفوائد، ولكننا ضد الأخطار والأضرار
التي يسببها التلفاز بشكل مباشر أو غير
مباشر على الطفل، وضد حد الشر، وهذا هو
موقف كل أب مسلم غيور، بل هو موقف الآباء
والمربين المنصفين من غير المسلمين - من
مواطني الدول التي تعد السباقة في الإعلام
وفي التلفاز بشكل خاص - الذين يهمهم
مصلحة أبناء أوطانهم، ومن باب أولى أن يهمنا مصلحة أبناء المسلمين في كل مكان،
ولهذا وجب علينا بيان هذه الأخطار
والأضرار والتأثيرات السيئة.
وقد
تتابع في المدة الأخيرة صدور البحوث
والدراسات وظهور النتائج التي تثبت أضرار
التلفاز على الطفل حتى أنني احتجت إلى
تتبع الصحف والمجلات يوميًا. وإنني على
ثقة بأنه بعد نشر الكتاب سأتمنى مرارًا لو
أنني لم أنشره بعد؛ والسبب هو ظهور دراسة
أو نتيجة جديدة عن أضرار التلفاز يمكن
أن أضيفها إليه، ولكن الانتظار غير ممكن
وإلا فلن ينشر الكتاب أبدًا.
ولم أكتف
بما لدي من معلومات أو ما تجمَّع عندي من
المراجع والبحوث وغيرها عن هذا الموضوع،
بل نزلت إلى الميدان لأستطلع وأستخبر؛
فقمت بجولة على عدد من الأطباء في تخصصات
مختلفة من أجل الحصول على آرائهم ومن أجل
إعطاء الفرصة لكل واحد منهم ليرى إن كان
لديه ما يريد إضافته إلى ما كتبته عن
الأضرار التي تتبع تخصصه، وبعد أن اطلعوا
على الأوراق أشاد الجميع بما كتبته أو
جمعته وأكدوا صحة ذلك وقالوا بأن هذه
الأمور قد أصبحت ثابتة لديهم، وشكروني على
جهودي لكتابة مثل هذا الموضوع، وحصلت من
بعضهم على وجهات نظرهم فيما يرونه من
أضرار للتلفاز تتبع تخصصاتهم وهي:
العظام، والتناسلية، والأسنان. وسوف ترد
وجهات النظر هذه في مواضعها المناسبة.
إضافة
إلى ذلك قمت بتوزيع (استفتاء) على عينات من
الأطفال من طبقات وجنسيات مختلفة في أكثر
من بلد، وهو اجتهاد شخصي الهدف منه التحقق
التجريبي من صحة بعض المعلومات والدراسات
والإحصائيات، والتعرف ميدانيًا على سلوك
الأطفال وتعاملهم وردود أفعالهم تجاه
التلفاز. وقد تناول الاستفتاء أمورًا
متعددة تركز على علاقة الطفل بالتلفاز من الناحية الجسمية والنفسية والاجتماعية.
وقد أفردت لنتائجه ملحقًا خاصًا في نهاية
الكتاب.
وعندما
أتحدث عن التلفاز فإنني لا أقصد محطة
تلفاز بعينها أو قناة مخصوصة في بلد ما،
بل أتحدث عن التلفاز كجهاز يعرض البرامج
المختلفة في أي مكان في العالم. وعندما
أذكر الطفل أو الولد فيعني الذكر والأنثى
من السنوات الأولى للطفولة إلى مرحلة
المراهقة وبداية مرحلة الشباب.
وقد كانت بعض محتويات هذا الكتاب - في أول الأمر - ضمن الكتاب الآخر «جسمك والتلفزيون»
الخاص بالكبار إلا أنه لكبر حجم المادة
التي تتعلق بالأطفال وأهمية موضوعهم، فقد
جعلت ذلك في هذا الكتاب المستقل.
كما أن
من يعنيني في هذا الكتاب هم أبناء
المسلمين في كل مكان في العالم، وإلى
آبائهم بالذات أوجه هذا الكتاب حتى أنبههم
وألفت نظرهم إلى الضرر الذي يحدثه
التلفاز على أجسام أطفالهم فضلاً عن
أنفسهم وأخلاقهم.
أرجو من
الله عزَّ وجلَّ أن يجعل هذا الكتاب
خالصًا لوجهه الكريم، وأن ينفع به أبناء
المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، وأن
يجعله في ميزان حسناتي يوم الدين إنه سميع
مجيب.
وصلى
الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
عدنان الطرشة
[1] أحمد الله تبارك
وتعالى على أن ما كنت قد اقترحته
في مقدمة
الطبعة الأولى في العام 1418هـ - 1997م من إيجاد
((قنوات
تلفاز إسلامية فضائية))
لنشر الإسلام،
وكذلك قنوات إسلامية للأطفال؛ فقد تحقق ذلك ولله الحمد والمنة.