الحمد لله رب العالمين،
والصلاة والسلام على خاتم
الأنبياء والمرسلين نبينا
محمد وآله وصحبه أجمعين.
كورونا وحياة الناس:
لقد شتت الشمل وفرق الجمع،
حاصر المدن حصارًا لم تعرفه
من قبل، أفرغ الشوارع حتى
صارت خاوية على عروشها، هاجم
أقوى الدول التي تفتخر
بأسلحتها الجبارة كحاملات
الطائرات والغواصات والسفن
والقواعد الحربية فجعلها
مشلولة وعاجزة ومستسلمة له لا
تقوى على مواجهته ولا عن
الدفاع عن أطقمها الذين
هاجمهم، عطل السفر وأغلق
المطارات والمرافئ، وعطل
التنقل وأوقف الحافلات
والسيارات، أغلق الجامعات
والمدارس، وأغلق الأسواق
والمجمعات التجارية، عطل
التجارة وضرب الاقتصاد
وميزانيات الدول وأصابها
بالعجز الكبير وكبدها خسائر
بالمليارات، أفلس الشركات
والمؤسسات والمحال التجارية،
وعطل ملايين الناس عن العمل،
عطل الأنشطة والبطولات
الرياضية ومنع حضور الجمهور
إليها، فرض الحبس المنزلي
ومنع تجول الناس وباعد بينهم
وجعل كل فرد منهم يخاف الآخر
فلا يسمح له بلمسه ولا
بالاقتراب منه ولو كان من
المقربين إليه، أغلق المساجد
وعطل المسلمين عن أداء الصلاة
فيها وعطل أداء العمرة في
المسجد الحرام، زلزل الدول
العظمى والحكومات القوية وكسر
كبرياءها وأظهر ضعفها وجعلها
تأن من الوجع، وزلزل عروش
الزعماء والمسؤولين وكشف
ضعفهم،
فأصاب
عددًا
منهم فهم ما بين ميت أو طريح
الفراش أو مسجون في الحجر
الصحي، ووجه الضربات القاضية
للبعض الآخر فدك العظمة التي
يفتخرون بها وجعلهم ضعفاء
يستجدون المساعدة من الآخرين
ويطلبون منهم تزويدهم
بالواقيات والأدوات الطبية
اللازمة، فرض على الدول نظامه
العالمي الجديد الخاص به، بعد
أن كانت بعض الدول تخطط لفرض
نظامها العالمي الجديد الخاص
بها، فأرغم العالم على اتباع
سنن وعادات، وجعلهم يقومون
بسلوكيات وأفعال لم يفعلوها
من قبل، ودفعهم وسيدفعهم إلى
سن أنظمة وقوانين لم يسبق لها
مثيل، وقد جعل الناس يتبعون
نظام حياة جديد حتى صارت
الحياة على الكرة الأرضية بعد
مجيئه ليست كما قبله.
كورونا مخلوق من خلق الله:
ليس في الكون كائن حي إلا وهو
من خلق الله؛ لأنه هو وحده
تعالى الذي يهب الحياة قال
تعالى:
﴿اللَّهُ
خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ﴾[1]،
ولو اجتمع الخلق كلهم على أن
يهبوا حياة لذبابة فلن يقدروا
على ذلك حتى ولو طلبوا ذلك من
آلهتهم التي يدعونها من دون
الله، قال الله تعالى:
﴿إِنَّ
الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ
دُونِ اللَّهِ لَنْ
يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ
اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ
يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ
شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ
مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ
وَالْمَطْلُوبُ﴾[2]،
وليس في الأرض حشرة أو جرثومة
ظاهرة أو خفية إلا وهي من خلق
الله وأمم كأمم البشر، قال
الله تعالى:
﴿وَمَا
مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ
وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ
بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ
أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا
فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ
ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ
يُحْشَرُونَ﴾[3]
وقال تعالى:
﴿وَمَا
مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ
إِلَّا عَلَى اللَّهِ
رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ
مُسْتَقَرَّهَا
وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي
كِتَابٍ مُبِينٍ﴾[4]،
فالله تبارك وتعالى يعلم مكان
وجود كل مخلوق مهما صغر حجمه
مرئيًا أو مخفيًا ويعلم خط
سيره في الأرض وكل حركة وسكنة
منه، قال تعالى:
﴿قَالَ
رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى
كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ
هَدَى﴾[5]؛
وهذا المخلوق الجندي الخفي
الذي فرض واقعًا لا مثيل له
على الكرة الأرضية هو آية من
آيات الله ولا يملك من أمره
شيئًا وليس له حرية اختيار من
يصيبهم ومن لا يصيبهم، من
يميتهم ومن يشفيهم ومن لا
يؤثر فيهم، بل هو مخلوق من
خلْق الله ولا يعمل إلا بأمر
الله وإذنه، وهو جندي من
جنوده التي لا يعلمها ولا
يحصيها إلا هو سبحانه، قال
الله تعالى:
﴿وَلِلَّهِ
جُنُودُ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضِ﴾[6]
وقال تعالى:
﴿وَمَا
يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ
إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ
إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ﴾[7].
فليس أحد أصيب بالكورونا أو
لم يُصب، أو شُفي منه أو مات
به، إلا وكان ذلك بقضاء الله
وقدره، قال تعالى:
﴿إِنَّا
كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ
بِقَدَرٍ﴾[8]،
وقال تعالى:
﴿هُوَ
الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ
فَإِذَا قَضَى أَمْرًا
فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ
فَيَكُونُ﴾[9].
كورونا آية من آيات الله:
فهذا الجندي الخفي هو
آية من آيات الله العظيمة
التي يخوف الله بها عباده،
قال تعالى:
﴿وَمَا
نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا
تَخْوِيفًا﴾[10]،
وهو
ليس انتقامًا من البشر بل هو
حياة لهم كما قال تعالى:
﴿وَلَكُمْ
فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ
يَاأُولِي الْأَلْبَابِ
لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾[11]،
فهو
رسالة تذكير وتنبيه
قوي
وتوجيه لعباده لعلهم يتقون
الله ويتوبون ويبادرون إلى
تغيير حالهم السيئ إلى الحال
الأحسن الذي فيه مصلحتهم
ومنفعتهم في حياتهم ومستقبلهم
وآخرتهم؛ وذلك رأفة ورحمة بهم
لأنه تعالى رحيم بمن خلق، قال
تعالى:
﴿إِنَّ
اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ
رَحِيمٌ﴾[12].
وكما في الآية السابقة
﴿وَمَا
يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ
إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ
إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ﴾؛
فأما
المسلمون منهم فلكي يتوبوا من
ذنوبهم وعصيانهم ويعودوا
إلى الله وإلى التمسك بدينهم
وتطبيق أركانه وتعاليمه
ووصاياه التي نص عليها في
كتابه الكريم القرآن، وأما
غير المسلمين فلكي يوقظهم من
غفلتهم وضلالهم ولإرشادهم إلى
الطريق القويم والصراط
المستقيم والدين الصحيح الحق،
قال تعالى:
﴿سَنُرِيهِمْ
آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ
وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى
يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ
الْحَقُّ﴾[13]،
وليبتليهم بنقص الأموال
والأنفس والثمرات جزاءً
وفاقًا على ما صنعوا، ولكي
يعودوا عن الكفر والشرك
والمعاصي
ويكفوا
عن قتل المسلمين كما قال الله
تعالى:
﴿ظَهَرَ
الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ
وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ
أَيْدِي النَّاسِ
لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي
عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ
يَرْجِعُونَ﴾[14]،
ولينبههم بأنه لا إله إلا هو
ولا معبود بحق إلا هو، ولا
متصرف في الوجود إلا هو، وأنه
على كل شيء قدير.
كورونا السلاح الفتاك:
فليس مسموحًا لأحد
أن ينازع الله أو يتحداه جلَّ
وعلا بادعائه القدرة على
التصرف في الأشياء والتحكم
المطلق فيها ونسبتها إلى علمه
ومشيئته، قال تعالى:
﴿حَتَّى
إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ
زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ
وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ
قَادِرُونَ عَلَيْهَا
أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا
أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا
حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ
بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ
نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ
يَتَفَكَّرُونَ﴾[15]،
وليس مسموحًا لأحد أن يقتل
عباد الله المسلمين أو أحدًا
من أهل الذمة، قال تعالى:
﴿وَمَنْ
يَقْتُلْ مُؤْمِنًا
مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ
جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا
وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ
وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ
عَذَابًا عَظِيمًا﴾[16]،
وليس مسموحًا لأحد أن يفتخر
بعرقه على الأعراق الأخرى،
قال تعالى:
﴿إِنَّ
أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ
أَتْقَاكُمْ﴾[17]؛
وقال
ﷺ:
«ومن
بطأ به عمله لم يسرع به نسبه»[18].
فالذين نازعوا الله في ردائه
وعظمته ونسبوا العلوم إلى
أنفسهم، أو قتلوا عباده
المسلمين، أو تكبروا وافتخروا
بعرقهم وتعالوا على الأعراق
الأخرى فإن الله جلَّ وعلا
يقصمهم قصمًا ويكسرهم كسرًا
ويذلهم ذلاً ويفضحهم ويجعلهم
عبرة للناس أجمعين، فهو عزَّ
شأنه لن يرسل طائرات أو
صواريخ أو دبابات فهذه
الأسلحة مجتمعة على ضخامتها
فهي ضعيفة جدًا مقارنة بجندي
خفي من جنود الله لا تُرى
الآلاف منه بالعين المجردة من
صغره، فيهاجم الأجسام في
داخلها فلا يستطيعون له دفعًا
ولا علاجًا فيهلكهم الله به
أو يشلهم ويجعلهم طريحي
الفراش.
كورونا الجندي الخفي:
فهل عرفت الآن من هو هذا
الجندي الخفي؟ إنه الذي سموه
(فيروس كورونا:كوفيد 19)،
وسواء أكان فيروسًا أم
بكتيريا أم غير ذلك فهو (جندي
خفي) وسيسمونه أسماءً أخرى في
المستقبل لأن البلاء
والابتلاء من سنن الله التي
كانت في الأمم السابقة، ولا
تزال وستبقى قائمة في الأرض
ولن تجد لسنة الله تبديلاً
ولا تحويلاً، ومن المهم أن
يعرف الإنسان المطلوب منه
والواجب عليه فعله عند وقوع
البلاء وكذلك بعد رفعه
وانحساره، قال الله تعالى:
﴿وَلَقَدْ
أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ
مِنْ قَبْلِكَ
فَأَخَذْنَاهُمْ
بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ
لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ﴾[19]،
فنزول البلاء لكي يعود الناس
إلى ربهم وخالقهم والتضرع
إليه وهو رد الفعل الطبيعي في
فطرة الإنسان كما قال تعالى:
﴿وَإِذَا
مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ
دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ
قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا﴾[20].
ويجب على الإنسان فهم سنة
الله في البلاء وأن يدرك
خطورة عودته إلى ما كان عليه
قبل نزول البلاء، كما في قوله
تعالى في بقية الآية:
﴿فَلَمَّا
كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ
مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا
إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ
زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا
كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾،
فهكذا الإنسان في حال البلاء
والضر يتذكر الله ويلجأ إليه
بالدعاء والصلاة لعلمه أنه لا
يقدر أحد على دفع ذلك البلاء
والضر إلا الله؛ فإذا استجاب
الله دعاءه وكشف عنه الضر
يصيبه الفرح والفخر وينسى
الله والدعاء وكأن شيئًا لم
يكن، كما في قوله تعالى وهو
أعلم بخلقه:
﴿وَلَئِنْ
أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ
ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ
لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ
السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ
لَفَرِحٌ فَخُورٌ﴾[21].
كورونا البلاء العالمي:
ولهذا فإن الإنسان إذا لم
يفهم سنة الله في البلاء ولم
يتعظ من البلاء الحاصل مما
سموه (كورونا) فإن البلاء
القادم سيكون أشد وأقوى
وحينئذ لا يلومن الإنسان إلا
نفسه، إذ بعد انحسار هذه
الجائحة إذا نسي الناس هذا
البلاء العالمي وهذا التذكير
من رب العالمين وفرحوا بما
فتحه الله عليهم وهداهم إلى
صنع العلاج واللقاح المناسب
لهذا الفيروس، وظنوا أنهوا
توصلوا إليه بعلمهم، وما كان
ذلك إلا استدراج منه تعالى
وإملاء لهم، فأُعجبوا بذلك
وبطروا ونسوا الله وعادت
القلوب إلى ما كانت عليه من
القسوة والغفلة والكفر والشرك
والبعد عن الدين؛ فإن سنة
الله أن يأتيهم بغتة عذاب
أكبر وجائحة أعظم وفيروسًا أو
بكتيريا أشد انتشارًا وإصابة
وقتلاً، وربما موجات أخرى
أكبر وأعظم لهذا الفيروس
نفسه،
وهو ما صرحت به منظمة الصحة
العالمية نفسها، قال تعالى:
﴿فَلَوْلَا
إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا
تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ
قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ
الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا
يَعْمَلُونَ (43) فَلَمَّا
نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ
فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ
أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ
حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا
أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ
بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ
مُبْلِسُونَ﴾[22]،
بل وربما تكون قد حانت
النهاية وجاء وقت الهلاك
والاستئصال لهذه الأمم فلا
تبقى لهم باقية كما قال تعالى
بعد ذلك في الآية التالية:
﴿فَقُطِعَ
دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ
ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ
رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾[23].
فسرعة انتشار - ما سموه - (
كورونا) نفسه وتوسعه في طول
الكرة الأرضية وعرضها وكثرة
ضحاياه من المصابين والمتوفين
لم يكن إلا بسبب فعل الناس
وعدم أخذهم العبرة وعدم فهم
الدروس من جائحات وأوبئة
سابقة، وكذلك تحقيق للوعيد
الذي ذكره الله عزَّ وجلَّ في
الآية من الأخذ بغتة، فكل
الدول أُخِذت بغتة وفوجئت
بهذا الجندي الخفي دون أي
إشارة مسبقة أو إنذار مبكر
فأصيبت بالارتباك الشديد ولم
يكن عندها أي استعداد لمثل
هذه الجائحة ولا علاج ولا
لقاح لها، وأخذت تتسول أجهزة
التنفس بل وحتى الكمامات التي
أخذت تقاتل من أجل الحصول
عليها، واحتارت أين تدفن
الموتى بعد امتلاء المقابر،
وصارت كل دولة تقول نفسي
نفسي.
كورونا والفوائد:
وإذا تساءل الإنسان أنه إذا
كان هذا الجندي الخفي
(كورونا) قد تسبب بكل تلك
الأمور السلبية والأضرار، ألم
يتسبب كذلك بأشياء
بشياء بجانب إيجابية
وفوائد؟! بلى! إن أمر الله
كله خير للبشر؛ قال تعالى:
﴿اللَّهُ
لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ﴾[24]،
وقال النبي
ﷺ:
«والشر ليس إليك»[25].
فهناك الكثير من الإيجابيات
والفوائد ومنها أنه قد عطل
الله به وأغلق جميع أماكن
وأندية وأوكار الفسق والفجور
والسكر والعربدة والدعارة
والشذوذ والرذيلة والقمار
وغيرها من أنواع المعاصي
والكبائر التي تغضب رب
العالمين ونهى عنها في
التوراة والإنجيل والقرآن؛
فلماذا الاستغراب من تفشي
فيروس كورونا؟! ألم يقل رسول
الله صلَّى الله عليه وآله
وصحبه وسلَّم: «لم تظهر
الفاحشة في قوم قط، حتى
يعلنوا بها، إلا فشا فيهم
الطاعون والأوجاع التي لم تكن
مضت في أسلافهم الذين مضوا»[26]،
أليس هذا بالضبط ما حصل من
(فيروس كورونا)؟! أليس هذا
التفشي وهذا الواقع العالمي
من الإغلاق ومنع التجول.. مما
لم يكن في أسلافنا الذين
مضوا؟!
وأعظم فائدة أن يرجع الناس
لربهم ويعلموا أنه الرب
المالك الخالق المدبر النافع
الضار القادر، وأنه لا يغني
عن عبادة الله واللجوء إليه
مال أو صحة أو قوة أو تقدم
عسكري أو طبي أو صناعي أو
اقتصادي أو غيره من الأمور
المادية، وأنها كلها لا تنفع
الإنسان فلا تجلب له خيرًا
ولا تدفع عنه ضرًا إلا ما
كتبه الله، وأن القوة لله
جميعًا وهو القاهر الغالب لا
راد لأمره ولا معقب لحكمه
سبحانه وتعالى.
ومن الفوائد العظيمة أنه لو
لم يهد الله تعالى إلا فردًا
واحدًا إلى الإسلام لكفى فما
بالك بأعداد من دخلوا الإسلام
وأعداد من عادوا إليه من
المسلمين بسبب جائحة
(كورونا)؟ بل إن عددًا من
الدول الغربية سمحت ولأول مرة
برفع الأذان جهرًا خارج
المساجد أملاً منهم أن يرفع
الله عنهم هذا الوباء
وطلبوا من المسلمين الدعاء أن
يرفع الله هذا الوباء والبلاء.
ومن الفوائد أيضًا أنه مع ما
يظهر للناس من أعداد الموتى
بسبب (كورونا) ويحسبونه شرًا
محضًا إلا أنه قد خفي عليهم
أن الله تعالى قد حقن دماء
الكثير من الناس وأنجاهم من
الموت في مدة انتشار هذا
الجندي الخفي ومنع التجول والإغلاقات المتكررة
ألا وهم قتلى حوادث السيارات
الذين تبلغ أعدادهم أضعافًا
مضاعفة بالمقارنة مع قتلى
(كورونا) فضلاً عن أعداد
الجرحى والمصابين بالإعاقات
المختلفة والخسائر المادية
الضخمة من جراء هذه الحوادث.
كذلك منع سبحانه وقوع الكثير
من الحوادث والأعمال
الإجرامية بمختلف أنواعها.
ومن الفوائد أن الدول ستتوجه
بالدعم والاهتمام أكثر من ذي
قبل إلى القطاعات الصحية
والطبية بعدما تبين أنها
الملجأ الوحيد بعد الله تعالى
عند وقوع مثل هذه الجائحات
والأوبئة.
ومن الفوائد أمر مهم جدًا
وموعظة عملية للإنسان أنه
في ظل إجراءات
هذه الجائحة بدأ الإنسان يعد
النعم التي فقدها أو افتقدها
أو سيفقدها: الصحة والعمل
والمال والحرية والتنقل
والتنزه والسفر والرياضة
واللقاءات والحفلات الجماعية
في المناسبات المختلفة
والاجتماعات العائلية بل
والمصافحة والعناق وغيرها من
نعم الله التي لا يمكن أن
يحصيها الإنسان ولم يكن ينتبه
لها؛ ولهذا يقول الله تعالى:
﴿وَآتَاكُمْ
مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ
وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ
اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ
الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ
كَفَّارٌ﴾[27].
وهذا حث للإنسان على أن
يحمد الله على هذه النعم ولا
يكن ظلومًا كفارًا، فإن الله
عزَّ وجلَّ يقول:
﴿وَإِذْ
تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ
شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ
وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ
عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾[28].
ومن الفوائد أن التباعد
الاجتماعي الذي حصل بسبب
(كورونا) كان تذكيرًا للإنسان
ومثلاً صغيرًا عما سيكون عليه
وضعه يوم االقيامة، قال
تعالى:
﴿فَإِذَا
جَاءَتِ الصَّاخَّةُ (33)
يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ
مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ
وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ
وَبَنِيهِ (36) لِكُلِّ
امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ
شَأْنٌ يُغْنِيهِ﴾[29].
إلى غير ذلك من الفوائد التي
يمكن للمرء أن يكتشفها بقليل
من التفكر والتأمل أو الفوائد
الخفية التي لم تظهر أو ستظهر
في المستقبل.
كورونا وسنن الإسلام:
إضافة إلى ما سبق ذكره من
الفوائد المتعددة الناتجة عن
جائحة كورونا، فإن هناك فائدة
عظيمة يجب التأمل فيها جيدًا،
فقد قال رسول الله صلَّى الله
عليه وآله وصحبه وسلَّم: «لا
يبقى على الأرض بيتُ مَدَرٍ
ولا وَبَرٍ إلا أدخله الله
الإسلام بعز عزيزٍ أو بِذُلِّ
ذليلٍ»[30]؛
فهذا إخبار عما سيحدث في
المستقبل من انتشار تعاليم
الإسلام وسننه، وقد أتيحت لنا
الفرصة في زمن كورونا ملامح
ومقدمات هذا الأمر العظيم.
فبعد أن كان غير المسلمين
يسخرون من ممارسات المسلمين
وأنشتطهم الدينية واتهامهم
بالتخلف والرجعية، فها هم في
زمن كورونا قد أرغموا على
تنفيذ هذه الممارسات بقوة
القانون والأنظمة في بلدانهم
وصار مطلوبًا منهم التصرف
كالمسلمين أعجبهم ذلك أم لم
يعجبهم. فبعد انتشار التعدي
على النساء المسلمات بسبب
حجابهن بل وقيام بعض الدول
بحظر الحجاب والنقاب وفرض
غرامة على من ترتديه في
الأماكن العامة، صارت هذه
الدول تفرض على مواطنيها
ارتداء القناع والكمامة مما
جعل غير المسلمة تبدو منقبة
مثل المسلمة، بل وهناك بعض
الدول جعلت تغطية الوجه
إلزاميًا للجميع في الأسواق
والمتاجر ووسائل النقل العامة
وأماكن التجمعات؛ وذلك بعد أن
اكتشفت فائدة ذلك وأنه يحد من
انتشار كورونا بين الناس.
أما بالنسبة للخمر التي يمتنع
المسلمون عن شربها طاعة لله
تعالى:
﴿يَاأَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا
الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ
وَالْأَنْصَابُ
وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ
عَمَلِ الشَّيْطَانِ
فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ
تُفْلِحُونَ﴾[31]،
فإلى جانب تكرار إغلاق
الكازينوهات والبارات
والأندية الليلية بل وخوف
الناس من ارتيادها حينما تكون
مفتوحة خوفًا من التقاط
الفيروس، نصح الأطباء بتجنب
شرب الكحول التي تساعد
الفيروس على أن يكون أكبر
سوءًا وأشد فتكًا عند الشارب.
أما بالنسبة للزنا الذي حرمه
الله تعالى:
﴿وَلَا
تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ
كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ
سَبِيلًا﴾[32]
وحث الإسلام على الزواج، فقد
امتنع الزناة عن الزنا في زمن
كورونا ولم يعد يخاطر بنفسه
بارتكاب الزنا واحتمال التعرض
للإصابة بالفيروس إلا من فقد
عقله، حتى أن بعض الزناة قد
صرحوا في الإعلام أنهم كانوا
قبل انتشار كورونا مسرورين
بالعزوبية أي بالتنقل من
امرأة إلى أخرى، وأنه إذا
كانت مسألة كورونا ستطول فإنه
من الأفضل لهم أن يتزوجوا.
وقد تعرضت مهنة الدعارة
للكساد لدرجة خروج العاهرات
في مظاهرات في بعض البلدان
اعتراضًا على الإغلاق أو عدم
وجود زبائن وطالبن بالمساعدات
التي تمكنهن من العيش.
أما بالنسبة للنظافة التي
يكررها المسلم عدة مرات في
اليوم في الوضوء للصلاة، فهي
أيضًا مما أوصت به المراجع
الطبية بتكرار غسل الأيدي
بالصابون تفاديًا للإصابة
بالفيروس. وأما المصافحة
المحظورة بين الرجال والنساء
المسلمين التي وصفها غير
المسلمين بالأمر المهين وعدم
احترام المرأة وانتقاص من
حقها؛ فقد أصبحت محظورة أيضًا
ليس بين الرجال والنساء فحسب
بل حتى بين الجنس نفسه.
كورونا واستجابة الناس:
وهنا لا بد لي أن أنبه وأحذر
من أنه إذا كان ظهور هذا
الجندي الخفي (كورونا) هو
بسبب عدم استجابة الناس في
الماضي وعودتهم إلى الله كما
هو مطلوب بعد ظهور الجنود
الخفية الأخرى مثل الإيدز
وانفلونزا الطيور والخنازير
وغيرها؛ فإنه أيضًا بعد
انحسار هذه الجائحة إذا لم
تكن استجابة الناس كما هو
مطلوب وعادوا من جديد إلى
سابق عهدهم من إظهار الفاحشة
وارتكاب ما نهى الله عنه من
المعاصي والكبائر ولم يعودوا
إلى الله؛ فليستعدوا مرة أخرى
لهذه الآية وهذا الجندي
الخفي، أو لجندي خفي جديد
بمواصفات أكثر تطورًا وأسرع
انتشارًا، قال الله تعالى:
﴿وَمَا
نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا
هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا
وَأَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ
لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾[33]؛
أي أكبر وأعظم من الآية التي
مضت، أو ربما دخان يغشى الناس
فلا مهرب منه، فيأتي بغتة
وعلى حين غفلة، ويتبين للناس
أن كل ما حدث من جائحة
(كورونا) كان مجرد عينة
ونموذج بالمقارنة به، إذ
تتعطل الحياة كاملة ولمدة
طويلة من الزمن، ويصاب به
أعداد مهولة من البشر ولن
تنفع الكمامات والقفازات
والمطهرات للوقاية منه إذا ما
خالط الهواء الذي يستنشقه
الناس من أجل الحياة فيصبح
سببًا للموت وعندها
﴿يَقُولُ
الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ
أَيْنَ الْمَفَرُّ﴾[34].
ولا غرابة أن يشمل البلاء
والموت المسلمين الصالحين
أيضًا مع غيرهم من الناس، قال
الله تعالى:
﴿وَنَبْلُوكُمْ
بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ
فِتْنَةً﴾[35]؛
فالبلاء العام نفسه وبالوقت
نفسه يكون لأناس عقوبة ولأناس
تطهيرًا للذنوب ولأناس رفعًا
للدرجات، فمن سنن الله تعالى
أن النعم تخص والبلاء يعم،
فالزلزال أو الفيضان أو
الخسف.. حين يقع بأرضٍ فإنه
لا يخص أناسًا بعينهم وإنما
يعم الناس ثم يبعث الله
الأموات على نياتهم؛ فمن كان
مؤمنًا فله الجنة ومن كان غير
ذلك فله النار.
وقد
بشر النبي
ﷺ
المؤمنين بأن الوباء الذي هو
عذاب لغير المسلمين يكون في
الوقت نفسه رحمة للمؤمنين
وشهادة لمن مات به، فعن عائشة
رضي الله عنها زوج النبي
ﷺ قالت: سألت رسول الله صلى الله
عليه وسلم عن الطاعون فأخبرني
أنه «عذاب يبعثه الله على
من يشاء، وأن الله جعله رحمة
للمؤمنين، ليس من أحد يقع
الطاعون فيمكث في بلده صابرًا
محتسبًا يعلم أنه لا يصيبه
إلا ما كتب الله له إلا كان
له مثل أجر شهيد»[36].
وقال
ﷺ:
«الطاعون شهادة لكل مسلم»[37]؛
فيا لها من رحمة ونعمة وفضلٍ
لمن مات بالوباء وكذلك لمن لم
يصب به بل صبر واحتسب ولجأ
إلى الدعاء وطلب من الله دفع
البلاء أو الأجر إن أصيب.
كورونا والاستغفار والدعاء:
وفي الختام فإني أوصي نفسي
وإخواني المسلمين في
الاستمرار على التوبة
والاستغفار والإكثار منه ومن
الدعاء وعدم الملل والسآمة
فذلك من أعظم أسباب رفع
البلاء والمرض وحصول العافية
والعاقبة الحميدة مع اتخاذ
الأسباب المادية والإجراءات
الطبية الاحتياطية
والاحترازات الموصى بها وأخذ
اللقاحات اللازمة؛ ليجمع
المسلم بين الأسباب الشرعية
والمادية.
وإن مما يجب أن يأخذه
بالحسبان من أخذ اللقاح أن
اللقاح لا يحصنه من الإصابة
بالفيروس فيخالط المصابين به
ويلقي بنفسه إلى التهلكة
فهناك الكثير ممن يصاب
بالفيروس بعد أخذ اللقاح؛
إنما يفيد اللقاح في تخفيف
أثر الإصابة بالفيروس إلى
الحد الأدنى وبإذن الله
وبرحمة منه تعالى لا يتسبب
الفيروس بنقل المصاب به إلى
المستشفى أو حمله إلى
المقبرة، لهذا يجب أن يبقى
حذرًا ومحترزًا من الإصابة
بالفيروس خاصة أنه بعد مرور
وقت سيكون هناك تحورات جديدة
للفيروس لا ينفع معها اللقاح
المأخوذ سابقًا، وربما ستصبح
لقاحات (كورونا) كما هو حاصل
حاليًا مع لقاحات فيروس
الإنفلونزا الموسمية الذي
يُصنَع له كل موسم لقاح جديد
مختلف عن سابقه بسبب اتخاذ
فيروس الإنفلونزا تحورًا
جديدًا مختلفًا.
أدعو الله تعالى أن يرفع هذا
البلاء والوباء، وأن يكشف هذه
الغمة عن هذه الأمة، وأن يشفي
من أصيب به من المسلمين ويكون
طهورًا له، وأن يكتب في
الشهداء من مات به من
المسلمين. وأسأله تعالى أن
ينجي المسلمين من الأوبئة
والأمراض والفيروسات المختلفة
ما ظهر منها وما سوف يظهر في
المستقبل، وأن يجنبنا تعالى
فعل أي شيء يسبب غضبه وسخطه،
وأن يوفقنا إلى ما يحبه
ويرضاه من القول والعمل.
وأسأله تعالى أن يجزي خيرًا
الأطقم الطبية وكذلك بالتأكيد
الحكومات الذين بذلوا جهودًا
جبارة في كل ما يخص هذه
الجائحة وتحملوا الأعباء
الضخمة المترتبة عليها من
علاج المصابين وتوفير
اللقاحات مجانًا للناس وغير
ذلك من الخدمات العامة، وأن
يعينهم على معالجة الآثار
الناتجة عنها، إنه سميع مجيب
وبالإجابة جدير.
وصلى الله على نبينا محمد
وآله وصحبه وسلَّم تسليمًا.
عدنان الطَرشَة