الحمد لله رب العالمين،
والصلاة والسلام على خاتم
الأنبياء والمرسلين نبينا
محمد وآله وصحبه أجمعين.
قال الله تعالى:
﴿قُلِ
انْظُرُوا مَاذَا فِي
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضُِ﴾[1].
بالتأمل في هذه الآية يتبادر
إلى الذهن تساؤل وهو
إذا نظرنا وتأملنا ماذا في
السماوات والأرض أو في الكون
كله فماذا سنرى وماذا سنجد،
وماذا يخبرنا العلماء عما
يوجد في هذا الكون؟
سنرى أن هناك أرضًا نعيش نحن
البشر عليها بالإضافة إلى
المخلوقات الأخرى، وأن أرضنا
هذه هي كوكب من مجموعة كواكب
إضافة إلى الشمس في مجموعة
شمسية ومعها ملايين النجوم
مجموعة كلها في مجرة يسمونها
درب اللبانة هي أيضًا واحدة
من كثيرٍ من المجرات التي
تحوي أيضًا مجموعات شمسية
ونجوم مثل مجرتنا.
وبالتأمل والنظر بماذا في
السماوات والأرض كما أمرنا
خالق هذا الكون تبارك وتعالى؛
فإننا نتساءل: هل إن أرضنا
التي هي بالمقارنة مع ما هو
موجود في هذا الكون تمثل حبة
رمل واحدة بالمقارنة مع صحراء
كبيرة هي الأرض الوحيدة في
هذه المجرة التي يعيش عليها
بشر؟ وإذا سلمنا بأنه ليس
هناك أرض سوى أرضنا في هذه
المجرة بالذات إذا لم يكن
فيها إلا شمس واحدة، فماذا عن
المجرات الأخرى التي لا يعلم
عددها إلا الله وفي كل منها
شمس أو شموس؟ هل لا يوجد فيها
أرض مثل أرضنا وبشر مثلنا؟
وما هو تفسير قول الله تعالى:
﴿اللَّهُ
الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ
سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ
مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ
الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ
لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ
عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ
بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا﴾[2]؟
لقد سئل ابن عباس عن تفسير
هذه الآية فقال: «لو
حدثتكم بتفسير هذه الآية
لكفرتم وكفركم تكذيبكم بها»؛ وهذا يشير إلى أن هناك حقائق في
مسألة السموات السبع ومن
الأرض مثلهن فوق تصور الإنسان
وفوق ما يتحمله عقله فيبادر
إلى تكذيب هذه الحقائق. ولئن
يخلق الله بشرًا على أراضٍ
غير أرضنا لهو أهون عليه من
خلق السماوات والأرض، قال
الله تبارك وتعالى:
﴿لَخَلْقُ
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ
النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ
النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾[3].
وإذا كان ذلك ممكنًا وما ذلك
على الله بعزيز فإننا نستخلص
من هذا أنه من المحتمل جدًا
أن يكون هناك أراضٍ وعليها
بشر أحياء أيضًا، ولقد أشار
القرآن الكريم في كثير من
الآيات إلى وجود الأحياء في
السماوات والأرض مثل قول الله
تعالى:
﴿تُسَبِّحُ
لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ
وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ
وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا
يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ
وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ
تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ
حَلِيمًا غَفُورًا﴾[4]،
وقوله تعالى:
﴿إِنْ
كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي
الرَّحْمَنِ عَبْدًا (93)
لَقَدْ أَحْصَاهُمْ
وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94)
وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ فَرْدًا﴾[5]،
وقوله تعالى:
﴿يَسْأَلُهُ
مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ
هُوَ فِي شَأْنٍ﴾[6]،
وقوله تعالى:
﴿وَمِنْ
آيَاتِهِ خَلْقُ
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ
دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى
جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ
قَدِيرٌ﴾[7]،
قال ابن كثير في تفسير هذه
الآية:
«يقول تعالى:
﴿وَمِنْ
آيَاتِهِ﴾
الدالة
على عظمته وقدرته العظيمة
وسلطانه القاهر
﴿خَلْقُ
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
وَمَا بَثَّ فِيهِمَا﴾ أي: ذرأ فيهما، أي: في السموات
والأرض،
﴿مِنْ
دَابَّةٍ﴾
وهذا يشمل
الملائكة والجن والإنس وسائر
الحيوانات، على اختلاف
أشكالهم وألوانهم ولغاتهم،
وطباعهم وأجناسهم، وأنواعهم،
وقد فرقهم في أرجاء أقطار
الأرض والسموات،
﴿وَهُوَ﴾
مع هذا
كله
﴿عَلَى
جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ
قَدِيرٌ﴾ أي: يوم القيامة يجمع الأولين
والآخرين وسائر الخلائق في
صعيد واحد، يسمعهم الداعي،
وينفذهم البصر، فيحكم فيهم
بحكمه العدل الحق»[8].
وحتى لا ينحصر الفكر في أن
الذين في السماوات هم
الملائكة، وحتى لا يُفهم أنهم
المقصودون بلفظ (دابة)، قال
تعالى:
﴿وَلِلَّهِ
يَسْجُدُ مَا فِي
السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي
الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ
وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا
يَسْتَكْبِرُونَ﴾[9]،
فهنا بيَّن الله تعالى أن
(دابة) هي غير (الملائكة)
وإذا كانت غير الملائكة فماذا
تكون إذًا؟.
لقد تناول العلماء هذه الأمور
وأفردوا لها الكتب والبحوث،
وما ذكرته آنفًا عن هذا الأمر
كان بهدف الوصول إلى غرضي
الحقيقي من هذا الموضوع وهو
أنه علينا أن نطيع الله وننظر
ماذا في السماوات والأرض
ونتأمل في خلق هذا الكون
لندرك عظمة الخالق سبحانه
وتعالى وليعرف كل إنسان
حقيقته وحجمه بالمقارنة مع
هذا الكون.
فماذا تكون أيها الإنسان مهما
بلغت من القوة والسلطان ومهما
بلغ شأنك في الدنيا سوى أنك
واحد من مليارات البشر يعيشون
على كرة أرضية في مجموعة
شمسية في مجرة واحدة من آلاف
أو ملايين المجرات، وعما قليل
ستموت وتُدفن في التراب الذي
يعيدك الله إليه بعد أن خلقك
منه، وسيخرجك منه يوم
القيامة، قال تعالى:
﴿مِنْهَا
خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا
نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا
نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى﴾[10]،
ليجازيك على عملك الذي عملته
عندما كنت حيًا في هذه
الدنيا، قال الله تعالى:
﴿فَمَنْ
يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ
خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ
يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ
شَرًّا يَرَهُ﴾[11].
وختامًا أسأل الله تعالى أن
يعيننا على النظر والتأمل
بماذا في السماوات والأرض،
وأن يوفقنا إلى ما يحبه
ويرضاه، وأن يعلمنا ما
ينفعنا، وأن ينفعنا بما
علَّمنا، وأن ينفع بنا غيرنا
من المسلمين، وصلى الله على
نبينا محمد وآله وصحبه وسلَّم
تسليمًا.
عدنان الطَرشَة