الحمد لله رب العالمين،
والصلاة والسلام على خاتم
الأنبياء والمرسلين نبينا
محمد وآله وصحبه أجمعين.
هل تعلم أخي المسلم أنه كلما
وضعت رأسك على المخدة ونمت
فإنك قد مت؟ فإما تكون موتتك
هذه هي الموتة الصغرى فيعيد
الله روحك إلى جسدك فتستيقظ
من نومك، وإما يمسك الله روحك
فلا تعود إلى جسدك فيكتشف من
حولك أنك قد أصبحت في عداد
الأموات ويجب غسلك وتكفينك
والصلاة عليك صلاة الميت
ودفنك في أقرب فرصة قبل أن
يختنقوا برائحة جثتك.
قال الله تعالى:
﴿اللَّهُ
يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ
مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ
تَمُتْ فِي مَنَامِهَا
فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى
عَلَيْهَا الْمَوْتَ
وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى
أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي
ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ
يَتَفَكَّرُونَ﴾[1].
وقد علمنا رسول الله صلَّى
الله عليه وآله وصحبه وسلَّم أنه
كلما أراد أحدنا النوم ووضع
رأسه على المخدة أن يقول: «باسمك
ربي وضعت جنبي وبك أرفعه، إن
أمسكت نفسي فارحمها، وإن
أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به
عبادك الصالحين»[2].
﴿إِنَّ
فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ
يَتَفَكَّرُونَ﴾
فهل تفكرت في هذا الأمر الذي
يحدث معك كل يوم عندما تضع
رأسك على المخدة حتى تنكشف لك
الحقائق وتدرك أن في ذلك
لآيات؟ وهل كلما وضعت رأسك
على المخدة كنت مستعدًا
لمفارقة الحياة والإتيان إلى
الله بقلب سليم؟ أي تضع رأسك
على المخدة وتسلم روحك وأنت
مطمئن النفس وراضٍ عن أعمالك
الأخيرة بأنها كانت خير
أعمالك ومستعدًا للموت فيما
لو أمسك الله روحك ولم تعد
إلى جسدك.
وهذا يتطلب أن تكون أعمالك
الأخيرة هي مما يحبه الله
ويرضاه من الإيمان والمحافظة
على الصلاة وسائر الطاعات
وبراءة الذمة من أي حقوق
للناس سواء المالية أو غير
ذلك، وإلا لن يكون بمقدورك
العودة إلى الحياة للتعويض عن
ذلك واستدراك ما فاتك من
الأعمال الصالحة وتسديد ما
عليك من ديون وحقوق مالية
للناس وستكون في ورطة عظيمة
أمام الله يستحيل أن تنقذ
نفسك منها.
وهنا سأذكر واحدة من القصص
التي حدثت معي لتوضح أكثر
المقصود من هذا الموضوع
المتعلق خصوصًا بالحقوق
المالية للناس؛ فقد اشتريت من
المخبز كيسًا من الخبز بريال
وأعطيت البائع ورقة نقدية من
فئة كبيرة فقال بأنه ليس لديه
صرف وقال بأنه يمكنني أن أدفع
له في المرة القادمة، فخرجت
من عنده ودخلت مباشرة إلى
البقالة التي بجواره فاشتريت
شيئًا لكي ألزمه بصرف الورقة
النقدية فصرفها فعدت مباشرة
إلى المخبز وناولت البائع
الريال فقال متعجبًا بأنه لم
العجلة والعودة لدفع الريال
ما دام قد رضي بأن أدفع له في
يوم آخر عند شراء الخبز؟!
فقلت له: وإذا أنا مت؟! فقال:
نسامحك. نعم هو صادق، ولكن
كيف سيعلم أنني مت حتى
يسامحني؟! وحتى إذا علم بموتي
فقد ينسى أن له بذمتي ريالاً
فلا تقع المسامحة وأجد نفسي
في ورطة أمام الله بوجود هذا
الريال بذمتي. وإذا كان هذا
هو شأن الريال الواحد عندي
فما بالك لو صار عليَّ دين
بمبلغ كبير ولم يكن لدي سيولة
نقدية لسداد المبلغ وكان لدي
بعض الأملاك كأرض أو بيت أو
سيارة أو غير ذلك؟! فعندها
سأفضل أن أبيع منها ما
يمَكِّنني من سداد الدين على
أن أموت وفي ذمتي هذا الدين
الذي لا أضمن أن ورثتي
سيسددونه فيظل عالقًا
بذمتي.
فلهذا من المهم جدًا أنك
حينما تضع رأسك على المخدة كل
يوم يجب أن تكون وصيتك جاهزة
وقد دونت فيها ما لك وما عليك
من الحقوق المالية وغيرها من
الوصايا والتعليمات لورثتك
لتنفيذها بعد موتك. وتأكد أنه
لا يمكنك من الفكاك أبدًا من
سداد أموال الناس في حال
موتك، بل ستكون ورطتك أكبر
وموقفك أصعب حينئذٍ عند وقوفك
للحساب أمام الله وسيكون
السداد من رصيد حسناتك في
الآخرة، فإن لم يكن عندك رصيد
كافٍ من الحسنات فستعطى من
سيئات دائنيك بقدر ما بذمتك
من أموال لهم. قال رسول الله
صلَّى الله عليه وآله وصحبه
وسلَّم:
«يُغفر للشهيد كل ذنب إلا
الدَّين»[3].
ولهذا إذا أردت نصيحتي فحاول
ألا يكون عليك أي حقوق للناس
وأنت حي ولا تترك شيئًا
لورثتك لكي يؤدوه بالنيابة
عنك بعد موتك؛ فنفسك أولى من
ورثتك لأنك لا تدري فلعل
ورثتك لا يعيرون اهتمامًا في
أداء ما عليك من حقوق لتبرئة
ذمتك وجعل سجلك سليمًا؛ فما
تتمناه أن يفعله ورثتك بعد
موتك من أجل تبرئة ذمتك
فافعله بنفسك وأنت حي إذا
كانت لديك القدرة على ذلك؛
فبادر بالتضحية بالمال في
مقابل أن تأتي الله بقلب سليم
خالٍ من الدَين وحقوق
الآخرين، كما قال الله تعالى:
﴿يَوْمَ
لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا
بَنُونَ (88) إِلَّا
مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ
سَلِيمٍ﴾[4].
وختامًا أسأل الله تعالى أن
يحسن خاتمتنا، وأن يجعل خير
أعمالنا آخرها وخير أيامنا
يوم لقائه، وأن يجعلنا من
الذين يأتونه تعالى بقلب
سليم، ونفس مطمئنة راضية
مرضية، إنه ولي ذلك والقادر
عليه، وصلى الله على نبينا
محمد وآله وصحبه وسلَّم
تسليمًا.
عدنان الطَرشَة