الحمد لله رب العالمين،
والصلاة والسلام على خاتم
الأنبياء والمرسلين نبينا
محمد وآله وصحبه أجمعين.
مع انتشار (فيروس كورنا)
المسمى (كوفيد 19) فهي فرصة
عظيمة لمعرفة ما أوصانا به
رسول الله صلَّى الله عليه
وآله وصحبه وسلَّم من أقوال
وأفعال عند انتشار الأمراض
والأوبئة المعدية؛ فأما
الدعاء فقد كان النبي
ﷺ
يقول: «اللهم إني أعوذ بك
من البرص، والجنون، والجذام،
ومن سيئ الأسقام»[1].
وأما الأفعال فقد أمر عليه الصلاة والسلام بعدم الاختلاط مع المصابين
بالوباء وعدم دخول مدينة
ينتشر فيها الوباء من أجل عدم
التعرض له، وكذلك عدم الخروج
منها من أجل منع نقل المرض
إلى مدن وأماكن أخرى، بل يبقى
في مكانه ويعزل نفسه ولا يخاف
ولا يقلق ويتخذ أسباب الوقاية
من المرض، ويسلم أمره لله
تعالى وراضيًا بقضائه، فقال
ﷺ عن وباء
الطاعون: «هو عذاب أو رجز
أرسله الله على طائفة من بنى
إسرائيل أو ناس كانوا قبلكم،
فإذا سمعتم به بأرض فلا
تدخلوها عليه، وإذا دخلها
عليكم فلا تخرجوا منها فرارًا»[2].
وبشر
النبي
ﷺ
المؤمنين بأن الوباء الذي هو
عذاب لغير المسلمين يكون في
الوقت نفسه رحمة للمؤمنين
وشهادة لمن مات به، فعن عائشة
رضي الله عنها زوج النبي
ﷺ قالت: سألت رسول الله صلى الله
عليه وسلم عن الطاعون فأخبرني
أنه «عذاب يبعثه الله على
من يشاء، وأن الله جعله رحمة
للمؤمنين، ليس من أحد يقع
الطاعون فيمكث في بلده صابرًا
محتسبًا يعلم أنه لا يصيبه
إلا ما كتب الله له إلا كان
له مثل أجر شهيد»[3].
وقال
ﷺ:
«الطاعون شهادة لكل مسلم»[4]؛ فيا لها من رحمة ونعمة وفضل
لمن مات بالوباء وكذلك لمن لم
يصب به بل صبر واحتسب ولجأ
إلى الدعاء وطلب من الله دفع
البلاء أو الأجر إن أصيب.
إن ما سبق ذكره لا خلاف فيه
ولا شك على الإطلاق؛ فكل
الإجراءات الاحترازية التي
اتخذت كانت من أجل سلامة
الناس ومنع تفشي (فيروس
كورونا) وكانت تطبيقًا عمليًا
لوصايا رسول الله صلَّى الله
عليه وآله وصحبه وسلَّم
المذكورة في هذا الشأن.
إلا أن الخلاف والفهم الخاطئ
عند بعض الناس يكون في مسألة
العدوى وطبيعتها وحقيقة
أمرها؛ فقد قال رسول الله
صلَّى الله عليه وآله وصحبه
وسلَّم: «لا عدوى»[5]،
والعدوى هي انتقال المرض من
المصاب به إلى غيره، فما معنى
ذلك وكيف نوفق بين الأحاديث
السابقة عن العدوى وضرورة
تفاديها وبين قوله
ﷺ:
«لا عدوى» وهل هذا
معناه نفي وجود عدوى مطلقًا؟
أبدًا لا يوجد أي اختلاف بين
الأحاديث فالعدوى حقيقة واقعة
ولهذا جاءت الأحاديث عن طرق
تفاديها ومنع انتشارها ونقلها
من مكان لآخر، إنما الأمر هنا
متعلق بالإيمان بأنه «لا
عدوى» لأي جرثومة أو
فيروس بطبعه وإرادته ومشيئته،
فالفيروس ليس له من الأمر شيء
ولا له أن يختار ضحاياه فيصيب
هذا ويدع ذاك ويميت هذا ويشفي
ذاك، وإنما يجب الإيمان بأن
الأمر كله بقضاء الله وقدره،
وأن الفيروس كائن مأمور يصيب
من كتب الله أن يصاب به،
وينتقل من شخص لآخر بإذن
الله، ويُشفى الإنسان منه
بإذن الله، ولا يؤثر بشخص آخر
بإذن الله، وينشط ويتوقف بإذن
الله.. ونحن وإن كنا مأمورين
باتخاذ أسباب الوقاية إلا أنه
يجب التسليم بأن من كتب الله
أن يصاب بالمرض فسيصاب به حتى
مع اتخاذ أسباب الوقاية، فمن
المؤكد أن معظم الذين أصيبوا
به كانوا قد اتخذوا أسباب
الوقاية ولكن قدَّر الله
تعالى أن يصابوا بالمرض على
الرغم من ذلك، إذ كما قال
النبي
ﷺ:
«لا
يغني حذر من قدر،
والدعاء ينفع مما نزل، ومما
لم ينزل، وإن البلاء لينزل،
فيتلقاه الدعاء، فيعتلجان إلى
يوم القيامة»[6].
وكان النبي
ﷺ قد أوضح
ذلك لمن كان لديه فهم خاطئ عن
العدوى وظن أنها مؤثرة وتعمل
من تلقاء نفسها، إذ قال عليه
الصلاة والسلام: «لا عدوى
ولا صفر ولا هامة». فقال
أعرابي: يا رسول الله فما بال
إبلي تكون في الرمل كأنها
الظباء فيأتي البعير الأجرب
فيدخل بينها فيجربها؟ فقال: «فمن
أعدى الأول»[7]، أي أن
البعير الأول قد أصيب بالجرب
بفعل الله وإرادته من غير
ملاصقة لبعير أجرب يعديه،
إذًا فالبعير الثاني والثالث
والرابع.. إنما جرب بفعل الله
وإرادته، وليس بعدوى تعدي
بطبعها. وفي مثل ذلك نقول في
البشر: من أعدى أول إنسان
أصيب بالكورونا ثم نقل المرض
إلى غيره؟ فلو كانت الإصابة
بفيروس كورونا بواسطة
(العدوى) لما أصيب المريض
الأول به لعدم وجود مريض معدي
قبله.
فإرشاد النبي
ﷺ إلى تجنب الاختلاط مع المرضى واتخاذ أسباب الوقاية هو من
أجل تجنب ما يحصل الضرر عنده
بفعل الله تعالى وقدره، ومن
أصيب بالمرض فتوهم أن المرض
انتقل إليه بفعل العدوى
باختلاطه مع مريض آخر وليس
بأمر الله تعالى فقد ارتكب ما
نهى النبي
ﷺ وأبطله
من اعتقاد الجاهلية بأن
العدوى تفعل بطبيعتها وليس
بأمر الله عزَّ وجلَّ. وعندما
قرر أمير المؤمنين عمر بن
الخطاب رضي الله عنه الرجوع
وعدم متابعة السير إلى
المدينة التي انتشر فيها
الطاعون، قال له
أبو عبيدة بن الجراح رضي الله
عنه:
«أفرارًا
من قدر الله؟ فقال عمر: لو
غيرك قالها يا أبا عبيدة؟ نعم
نفر من قدر الله إلى قدر الله»[8].
لا بد من التأكيد من أنه في حال انتشار وباء ما فإنه يجب على الإنسان اتخاذ
أسباب الوقاية المناسبة لهذا
الوباء التي توصي بها المراجع
الصحية ومنها أخذ اللقاحات
اللازمة، وأن يلتزم بالتعليمات
والإجراءات الاحترازية التي
تصدرها السلطات المسؤولة في
بلده،
وأن
يسلم أمره لله تعالى ويواظب على الصلاة والدعاء، وأن يؤمن بالقدر ويعلم أن
ما أصابه لم يكن ليخطئه وأن
ما أخطأه لم يكن ليصيبه؛
ليجمع المسلم في ذلك بين
الأسباب الشرعية والمادية.
وختامًا أدعو الله تعالى أن
يرفع هذا البلاء والوباء، وأن
يكشف هذه الغمة عن هذه الأمة، وأن
يشفي من أصيب به من المسلمين
ويكون طهورًا له، وأن يكتب في
الشهداء من مات به من
المسلمين. وأسأله تعالى أن
ينجي المسلمين من الأوبئة
والأمراض والفيروسات المختلفة
ما ظهر منها وما سوف يظهر في
المستقبل، إنه سميع مجيب
وبالإجابة جدير.
وصلى الله على نبينا محمد
وآله وصحبه وسلَّم تسليمًا.
عدنان الطَرشَة