الاستغفار
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين نبينا
محمد وآله وصحبه أجمعين.
الاستغفار[1]:
قال الله تعالى حكاية عن نوح عليه السلام
إنه قال لقومه:
﴿فَقُلْتُ
اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا
~
يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا
~
وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ
وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا﴾[2]؛
يخبر الله تعالى عن رسوله نوح أنه قد أعلن لقومه أنهم إن استغفروا الله ورجعوا إليه
ورجعوا عما هم فيه وتابوا إليه، تاب عليهم ولو كانت ذنوبهم مهما كانت في الكفر
والشرك، ويرسل الله عليهم الأمطار متواصلة يتبع بعضها بعضًا، ويمددهم بأموال ويكثر
عليهم الرزق، ويسقيهم من بركات السماء، وينبت لهم من بركات الأرض وينبت لهم الزرع،
ويدر لهم الضرع، ويعطيهم الأموال والأولاد، ويجعل لهم جنات فيها أنواع الثمار،
ويخللها بالأنهر الجارية بينها.
ففي هذه الآية دليل على أن الاستغفار يستنـزل به الرزق والأمطار وقد روي عن عمر بن
الخطاب رضي الله عنه أنه استسقى فلم يزد على الاستغفار وقراءة الآيات في الاستغفار ومنها هذه الآية ثم
قال:
«لقد
طلبت المطر بمجاديح السماء[3]
التي يستنـزل بها المطر».
وقال ابن صبيح: شكا رجل إلى الحسن الجدوبة فقال له: استغفر الله. وشكا آخر إليه
الفقر فقال له: استغفر الله. وقال له آخر: ادع الله أن يرزقني ولدًا؛ فقال له:
استغفر الله. وشكا إليه آخر جفاف بستانه؛ فقال له: استغفر الله. فقلنا له في ذلك؟
فقال: ما قلت من عندي شيئًا؛ إن الله تعالى يقول في سورة نوح:
﴿اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا
~
يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا
~
وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ
وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا﴾.
قال الله تعالى:
﴿وَأَنِ
اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا﴾[4]؛
فالمتاع الحسن هو ثمرة الاستغفار والتوبة، أي؛ يمتعكم بالمنافع ثم سعة الرزق ورغد
العيش.
قال رسول الله
صلَّى الله عليه وآله وصحبه وسلَّم:
«من
أكثر من الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجًا، ومن كل ضيق مخرجًا، ورزقه من حيث لا
يحتسب»[5]؛
أما الاستغفار فإنه يكون عن إخلاص وإقلاع من الذنوب؛ وهو الأصل في الإجابة.
والاستغفار عظيم وثوابه كبير، حتى إن النبي
ﷺ
قال:
«من
قال أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه غفر الله له وإن كان
فرَّ من الزَّحف»[6]،
ومع أن النبي
ﷺ
كان معصومًا ولم يقع في معصية فقد كان يواظب على تكرار الاستغفار كل يوم؛ قال
ﷺ:
«والله
إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة»[7]،
فما بالك بمن دونه من الناس الذي لا يسلم من الوقوع في الذنوب والمعاصي، ممن قال
عنهم النبي
ﷺ:
«كل
ابن آدم خطَّاء، وخير الخطَّائين: التَّوَّابون»؟[8]،
فهو أحوج إلى تكرار الاستغفار من تكرار النبي
ﷺ،
والله
عزَّ وجلَّ
يقول:
﴿وَالَّذِينَ
إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ
فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ
يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾[9]،
ويقول تعالى:
﴿وَمَنْ
يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ
غَفُورًا رَحِيمًا﴾[10].
ولهذا أخبر النبي
ﷺ
أنه:
«ما
من عبد يذنب ذنبًا فيحسن الطهور ثم يقوم فيصلي ركعتين ثم يستغفر الله إلا غفر الله
له» ثم قرأ هذه الآية
﴿وَالَّذِينَ
إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ﴾
إلى آخر الآية[11].
وقوله
﴿وَمَنْ
يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ﴾،
أي؛ ليس أحد يغفر الذنب ولا يزيل عقوبته إلا الله، وقوله:
﴿وَلَمْ
يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾،
أي؛ لم يثبتوا ويعزموا على ما فعلوا، ولم يستمروا على المعصية ويصروا عليها غير
مقلعين عنها، والإصرار هو العزم بالقلب على الأمر وترك الإقلاع عنه، بل تابوا من
ذنوبهم ورجعوا إلى الله عن قريب، ولو تكرر منهم الذنب تابوا منه وهم يعلمون أن
العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب إلى الله تاب الله عليه؛ قال رسول الله
صلَّى الله عليه وآله وصحبه وسلَّم
فيما يحكي عن ربه
عزَّ وجلَّ:
«أذنب
عبد ذنبًا فقال: اللهم اغفر لي ذنبي. فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبًا فعلم أن
له ربًا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب. ثم عاد فأذنب فقال: أي رب اغفر لي ذنبي. فقال
تبارك وتعالى: عبدي أذنب ذنبًا فعلم أن له ربًا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب. ثم عاد
فأذنب فقال: أي رب اغفر لي ذنبي. فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبًا فعلم أن له
ربًا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب اعمل ما شئت فقد غفرت لك»[12]،
أي؛ ما دمت تذنب ثم تتوب غفرت لك.
قال القرطبي: قال علماؤنا: الاستغفار المطلوب هو الذي يحل عَقْدَ الإصرار ويثبت
معناه في الجنان، لا التلفظ باللسان. فأما من قال بلسانه: أستغفر الله، وقلبه مصر
على معصيته فاستغفاره ذلك يحتاج إلى استغفار، وصغيرته لاحقة بالكبائر. وروي عن
الحسن البصري أنه قال: استغفارنا يحتاج إلى استغفار.
لهذا؛ أدعوك أخي المسلم الحبيب إلى المداومة على الاستغفار والإكثار منه في
النهار والليل، وقد رأيت
أن ما سبق من نصوص القرآن والحديث دليل على عظيم فائدة الاستغفار وأنه
إضافة إلى مغفرة الله التي ينالها المستغفر على استغفاره فإن لزوم الاستغفار
وتكراره عشرات المرات إن لم يكن مئات المرات كل يوم سبب في مجيء نعم الله على عباده
من المطر والمال والولد والثمار وغير ذلك من النعم.
وقد علَّمنا رسول الله
ﷺ
سيد الاستغفار فقال
عليه الصلاة والسلام:
«سيد
الاستغفار أن يقول: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك
ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك عليَّ، وأبوء لك بذنبي،
اغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت».
قال:
«ومن
قالها من النهار موقنًا بها فمات من يومه قبل أن يمسي فهو من أهل الجنة، ومن قالها
من الليل وهو موقن بها فمات قبل أن يصبح فهو من أهل الجنة»[13].
وختامًا أسأل الله تعالى أن يوفقنا إلى ما يحبه ويرضاه، وأن يعلمنا ما
ينفعنا، وأن ينفعنا بما علَّمنا، وأن ينفع بنا غيرنا من المسلمين، وصلى
الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلَّم تسليمًا.
عدنان الطَرشَة
[1]
هذا الموضوع
منقول من كتاب عدنان الطرشة: «أنت والمال»، والمراجع التي أشار
إليها فيه.
http://www.adnantarsha.com/books/Money.htm
[2]
سورة نوح، الآيات: 10-12.
[3]
مجاديح السماء: أنواؤها. (القاموس المحيط). قال ابن الأثير: أراد عمر
رضي الله عنه إبطال الأنواء والتكذيب بها لأنه جعل الاستغفار هو الذي يُستسقى به، لا المجاديح والأنواء التي كانوا يستسقون بها.
[4] سورة هود، الآية: 3.
[5] مسند أحمد، رقم: 2234، وقال أحمد محمد شاكر: إسناده صحيح.
[6] صحيح سنن الترمذي، رقم: 2831.
[7] أخرجه البخاري في كتاب الدعوات، باب: استغفار النبي
صلَّى الله عليه وسلَّم
في اليوم والليلة.
[8]
صحيح سنن الترمذي، رقم: 2029.
[9]
سورة آل عمران، الآية: 135.
[10] سورة النساء، الآية: 110.
[11] صحيح سنن أبي داود، رقم: 1346.
[12] أخرجه مسلم في كتاب التوبة، باب: قبول التوبة من الذنوب وإن تكررت.
[13] أخرجه البخاري في كتاب الدعوات، باب: أفضل الاستغفار.
تنزيل
المقال pdf
|