الحمد لله والصلاة والسلام
على نبينا محمد وآله وصحبه
وسلَّم تسليمًا.
في أحد الأيام ذهبت إلى بيت
أحد الأشخاص لأعطيه كالعادة
الدرس الخاص في الكاراتيه فلم
يكن موجودًا فانتظرته في صالة
الاستقبال، وكعادتي في
استغلال أوقات الانتظار
بالقراءة بدأت في قراءة
الكتاب الذي أحضرته معي. ثم
جاء شخص يريد زيارة صاحب
البيت، وبعد جلوسه رآني أقرأ
في الكتاب فسألني عنه وعن
محتوياته فناولته إياه ليقرأ
المحتويات بنفسه، فقرأ بعض
المقاطع ثم سألني: أليس فيه
شيء عن الخمر؟ قلت: فيه بعض
الحكم والمأثورات عن ضرر
الخمر. قال: إنني لا أؤمن
بكلام الناس، أريد شيئًا من
القرآن يثبت أن الخمر حرام.
قلت له باستغراب: إن هذا
الأمر مفروغ منه وهناك آيات
تدل على تحريمه. فقال: ما هي؟
قلت: إن الذي أعلمه هو أن
الخمر لم تحرم قطعًا في بادئ
الأمر، فهناك آيات مثل:
﴿يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ
وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى
تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ﴾[1]؛
لأنه قد صلَّى أحد الصحابة
فقرأ: قل يا أيها الكافرون
أعبد ما تعبدون! بدلاً من لا
أعبد ما تعبدون. وهذه الآية
قد نُسِخت حيث نزلت بعدها آية التحريم
التي يقول فيها رب العالمين:
]يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
إِنَّمَا الْخَمْرُ
وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ
وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ
عَمَلِ الشَّيْطَانِ
فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ
تُفْلِحُونَ﴾[2].
عند قراءتي للآية ووصولي إلى
كلمة (فاجتنبوه) قاطعني
مرددًا الكلمة نفسها مع مد
آخرها (فاجتنبووووه)؛ وكأنه
يقول: أرأيت..؟! فقال: إنهم
كانوا يشربون كميات كبيرة من
الخمر بحيث تأتي الصلاة
التالية قبل أن يذهب مفعول
الخمر، ولكنني من الممكن أن
أشرب كمية لا تذهب عقلي ومن
ثَم فإنني أعلم ما أقول في
الصلاة، فاجتنبوه فقط وليست
حرام؛ لأن الله عزَّ وجلَّ لم
يقل حُرمت عليكم أو مثلما قال
عن أشياء أخرى: إنما حرَّم
عليكم كذا وكذا.
فقلت متجنبًا الجدال معه في
معنى (فاجتنبوه): هناك الكثير
من أحاديث الرسول صلَّى الله
عليه وسلَّم التي يبين فيها
تحريم الخمر وهو لا ينطق عن
الهوى إن هو إلا وحي يوحى.
قال: أنا لا أؤمن بأحاديث أو
غيرها لأن هناك الكثير من
الأحاديث الموضوعة والأحاديث
قد يتلاعب بها اللاعبون فلا
أؤمن إلا بالقرآن. فقلت له:
هناك الأحاديث الصحيحة التي
ضمتها كتب مثل البخاري وهو
أصدق كتاب بعد كتاب الله
تعالى. فشكك مرة أخرى بذلك
وأكد لي أنه لا يؤمن بشيء
يقال له حديث!.
فأخبرته بأنني لست عالمًا أو
مفتيًا حتى أمده بما يريد
وأقدم له الأدلة على تحريم
الخمر لأنني لم أحقق في هذا
الموضوع من قبل لكوني أعد
تحريم الخمر أمرًا مفروغًا
منه ولا يشك بذلك مسلم عاقل،
ونصحته بأن يراجع العلماء.
فأخبرني بأنه قد واجه كثيرًا
من العلماء ولم يستطع أحد أن
يقنعه وكانوا يقولون له فقط:
هو حرام. ولم يستطع أحد أن
يناقشه في هذا الموضوع.
فسألته إن كان يصلي؟ فقال:
نعم. فقلت له: إن الصلاة تنهى
عن الفحشاء والمنكر فماذا أنت
تعد الخمر هل هو فحشاء أو
منكر؟ فقال: الناس يقولون إنه
منكر في حين أنا أعده كالعصير
أو شيء من هذا القبيل، فقد
تعودت عليه وحين أشربه أحرص
على ألا أتعدى مقدرتي على
تحمله حتى لا يذهب عقلي،
ولذلك فإنني أبقى دائمًا في
كامل وعيي، والذين يعرفونني
يقولون إن الخمر لا يؤثر بي.
وأضاف قائلاً: إنني أجد متعة
كبيرة في الصلاة حين أكون
شاربًا الخمر فتجدني أناجي
ربي وأبكي..!
ثم سألني: هل تدري ما هي
عقوبة شارب الخمر؟ قلت:
أربعين جلدة. قال لا.. في
الآخرة؟ فلم أجبه. فقال: إنه
سيُحرم من خمر الجنة فقط، وقد
قرأت جميع الآيات في القرآن
التي تُذكَر فيها الخمر فلم
أجد أنه محرم.
فأحسست أن هذا الرجل لا يريد
سوى الجدال وأن أي كلام لن
يقنعه وإلا لاقتنع بما أقر به
بلسانه عن حرمان شارب الخمر
من خمر الجنة وكفى بها عقوبة
تردعه عن شرب الخمر وتمنعه من
العودة إليه،
ثم هو لم يعرف خبر الحرمان
من خمر الجنة إلا من أحاديث
النبي صلَّى الله عليه وسلَّم
التي قال بأنه لا يؤمن بها
مما يدل على تناقضه مع نفسه؛
فقد وضع سدًا
بينه وبين الحقيقة حتى لا
تأتيه، وسدًا بينه وبين
أحاديث رسول الله صلَّى الله
عليه وسلَّم حتى لا تجعله
يترك شرب الخمر؛ لأن النبي
عليه الصلاة والسلام قد فصَّل
في أحاديث كثيرة تحريم الخمر
وخطورته على دين المسلم
وعقوبته في الآخرة، ومن ذلك:
«من
شرب الخمر لم يرض الله عنه
أربعين ليلة، فإن مات مات
كافرًا، وإن تاب تاب الله
عليه، وإن عاد كان حقًا على
الله أن يسقيه من طينة الخبال»،
قالت: قلت: يا رسول الله وما
طينة الخبال؟ قال:
«صديد
أهل النار»[3].
«من
شرب الخمر لم يقبل الله له
صلاة أربعين صباحًا، فإن تاب
تاب الله عليه»[4].
فلو كان هذا الرجل يؤمن بمثل
هذه الأحاديث النبوية لما
افتخر بأنه يجد متعة كبيرة
حينما يصلي وهو سكران!
وفجأة...! انقدح في ذهني شيء فوجدت نفسي أقول له:
أنت لا تريد أحاديث عن النبي
صلَّى الله عليه وسلَّم وإنما
تريد فقط شيئًا من القرآن،
وأنت تقول إن (فاجتنبوه) لا
تعني أنه حرام أليس كذلك؟
قال: نعم. قلت: إذًا إن الله
عزَّ وجلَّ يقول في الآية
نفسها: (رجس من عمل الشيطان)
فهل ترضى أن تعمل عملاً هو من
عمل الشيطان أم الأفضل لك أن
تعمل عملاً من عمل الملائكة؟
فبُهت وقال على الفور
بالإنجليزية: (نايس.. نايس)
أي جميل.. جميل. وكأنه لأول
مرة يسمع مثل هذا الكلام ويجد
نفسه مُفحَمًا في موضوع
الخمر.
ولما لاحظت ذلك عليه وظهر
كأنه قد تلقى ضربة قوية على
رأسه خلخلت توازنه وجعلته
يترنح، تحمست لأوجه إليه
الضربة الثانية القاضية،
فأضفت قائلاً له: وإن الله
عزَّ وجلَّ يقول عنه إنه رجس[5]
ومعنى رجس
أي نجس والنجاسة
كما تعلم تطلق على فضلات
الإنسان، فإذا وجدت في الطريق
شيئًا من هذا ألا تحرص على
عدم تلويث ثيابك به؟ بل قد
تبتعد عنه وتجتنبه حتى لا تشم
رائحته الكريهة فيكون هو في
جانب وأنت في جانب آخر وهذا
معنى الاجتناب، وأعتقد أنه ما
من إنسان عاقل يجد نفسه
مضطرًا في بعض الأحيان لأن
يلوث ثيابه بهذه النجاسة
مثلما تقول إنك تضطر في بعض
الأحيان لشرب الخمر.
فأخذ يتمتم بكلمات بصوتٍ
خافتٍ وهو يترنح من الضربة
القاضية فقال إنه قد يضطر لأن
يلوث ثيابه بالنجاسة.. ولكنه
لم يقدم أي سبب لذلك وخرج
الكلام من فمه مفككًا وغير
منطقي ولا يريد به إلا
التغطية على الهزيمة التي
نالها ومحاولاً إخراج نفسه من
الحرج والورطة التي وقع فيها.
وهنا دخل صاحب البيت فبقيت
معه في حين خرج هذا الرجل
ذاهبًا وتاركًا المكان على
الفور.
وختامًا أسأل الله تعالى أن
يعين كل شارب خمر على اجتنابه
والتوبة منه وعدم الرجوع
إليه، وأن يجنبنا الفواحش ما
ظهر منها وما بطن، وأن يوفقنا
إلى ما يحبه ويرضاه، وأن
يعلمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا
بما علَّمنا، وأن ينفع بنا
غيرنا من المسلمين، وصلى الله
على نبينا محمد وآله وصحبه
وسلَّم تسليمًا.
عدنان الطَرشَة