الحمد لله رب العالمين،
والصلاة والسلام على خاتم
الأنبياء والمرسلين نبينا
محمد وآله وصحبه أجمعين.
قال رسول الله
صلَّى الله عليه وآله وسلَّم:
«قال الله تعالى:
الكبرياء ردائي فمن نازعني في
ردائي قصمته»[1].
الكبر: العظمة والتجبر،
والتكبر على الحق فلا يقبله،
والارتفاع على الناس
واحتقارهم والازدراء بهم. وهو
ضد التواضع. والقَصْمُ دَقُّ
الشيء، يقال للظالم قَصَمَ
الله ظهره. القَصْمُ كسر
الشيء الشديد حتى يَبين
قَصمه. يَقْصِمه قَصْمًا
يكسره كسْرًا.
إن الله تعالى لا يحب
المستكبرين ولا يدخل الجنة
مَن كان في قلبه مثقال ذرة من
كِبر، كما أن الله تعالى لا
يحب المختال الفخور وهو
المتكبر المعجب بنفسه وينظر
إليها بعين الافتخار، وينظر
إلى الناس بعين الاحتقار
ويصعِّر خده لهم، ويفخر بحسبه
وماله ومركزه الاجتماعي،
ويمشي في الأرض مرحًا، ويختال
في مشيته، ويرفع صوته، أو
يتكبر بصناعته وما يبتكره من
أشياء ويتحدى بها. وقد قص
القرآن عددًا من القصص التي
قصم الله فيها رجالاً وجماعات
وأممًا وقرىً وأراضٍ ممن
تكبروا على الحق ورفضوه أو
أعجبوا بما لديهم من أشياء
فقصمها الله ودمرها تدميرًا.
فمن قصص القصم لأشخاص قصة
قارون الذي آتاه الله الكنوز
الكثيرة والثقيلة وقال له
قومه لا تفرح إن الله لا يحب
الفرحين، ونهوه عن الفساد في
الأرض لأن الله لا يحب
المفسدين، ونصحوه بأن يبتغ
فيما آتاه الله الدار الآخرة
وأن يحسن كما أحسن الله إليه.
فماذا كان رد هذا المتكبر
المتعالي؟ لقد نسب ماله إلى
نفسه وأنه أوتيه بعلمه
وقدرته، قال الله تعالى:
﴿قَالَ
إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى
عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ
يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ
أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ
الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ
مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ
جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ
ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ﴾[2].
وفي أحد الأيام خرج قارون على
قومه في موكب عظيم فتمنى
الذين يريدون الدنيا أن يكون
لهم مثل ما أوتي قارون من
المال والكنوز، فقام أهل
العلم بتوبيخهم وقالوا لهم
بأن ثواب الله والدار الآخرة
خير للذين آمنوا وعملوا
الصالحات مما عند قارون.
فكانت عقوبة قارون القصم له
ولداره، قال تعالى:
﴿فَخَسَفْنَا
بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ
فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ
يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ
اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ
الْمُنْتَصِرِينَ (81)
وَأَصْبَحَ الَّذِينَ
تَمَنَّوْا مَكَانَهُ
بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ
وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ
الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ
مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ
لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ
عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا
وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ
الْكَافِرُونَ﴾[3]. وهذا كما أخبر النبي
صلَّى الله عليه وسلَّم:
«بينما
رجل يجر إزاره من الخيلاء
خُسِفَ به فهو يتجلجل في
الأرض إلى يوم القيامة»[4].
الخيلاء: الكبر والتبختر مع
الإعجاب بالنفس. وقال عليه
الصلاة والسلام:
«بينما
رجل يمشي في حُلَّةٍ تعجبه
نفسه مُرَجِّلٌ جُمَّتَهُ إذ
خسف الله به فهو يتجلجل إلى
يوم القيامة»[5].
حلة: ثوبان من نوع واحد.
تعجبه نفسه: ينظر إليها بعين
الكمال وينسى نعمة الله تعالى
عليه محتقرًا لما سواه من
الناس. مرجل جمته: مسرح رأسه
والجمة هي الشعر الذي يتدلى
إلى الكتفين أو هو مجمع شعر
الرأس. خسف: غارت به الأرض
وغيبه الله فيها.
ومن قصص القصم للأشياء قصة
الرجلين اللذين رزقهما الله
بستانين عظيمين مثمرين، فأما
أحدهما فكان مؤمنًا وشاكرًا
لله على هذه النعمة التي تفضل
الله بها عليه، وأما الآخر
فقد أخذ يجادل صاحبه ويخاصمه
ويفتخر عليه بأن لديه مالاً
وخدمًا وحشمًا وولدًا أكثر
منه، قال تعالى:
﴿وَدَخَلَ
جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ
لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ
أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا﴾[6]. لقد ظلم نفسه بكفره
وتمرده وتكبره وتجبره وإنكاره
واغتراره وظنه بأن بستانه لا
يفنى ولا يفرغ ولا يهلك ولا
يتلف. وقد وعظه صاحبه المؤمن
وزجره عما هو فيه من الكفر
بالله والاغترار، ونصحه بأنه
إذا أعجبك بستانك حين تدخله
هلا حمدت الله على ما أنعم به
عليك، وأعطاك من المال و
الولد ما لم يعطه غيرك، وقلت:
﴿مَا
شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ
إِلَّا بِاللَّهِ﴾[7]؛ ولهذا قال بعض
السلف: من أعجبه شيء من حاله
أو ماله أو ولده أو ماله،
فليقل: ما شاء الله لا قوة
إلا بالله؛ وهذا مأخوذ من هذه
الآية الكريمة. وجاء القصم
إلى بستانه الذي اغتر به وظن
أنه غير قابل للتلف والهلاك
فأخذ يضرب كفًا بكف متأسفًا
متلهفًا على الأموال التي
أذهبها عليه؛ قال تعالى:
﴿وَأُحِيطَ
بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ
يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى
مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ
خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا
وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ
أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا
(42) وَلَمْ تَكُنْ لَهُ
فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ
دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ
مُنْتَصِرًا﴾[8].
وهذا كما قص علينا ربنا
سبحانه وتعالى قصة أصحاب
البستان المشتمل على أنواع
الثمار:
﴿إِنَّا
بَلَوْنَاهُمْ كَمَا
بَلَوْنَا أَصْحَابَ
الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا
لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ
(17) وَلَا يَسْتَثْنُونَ
(18) فَطَافَ عَلَيْهَا
طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ
نَائِمُونَ (19) فَأَصْبَحَتْ
كَالصَّرِيمِ﴾[9]. فطاف على البستان
أمر من أمر الله وهم نائمون
فأصبح البستان محترقًا كالليل
الأسود أو هشيمًا يبسًا لا
يُنتفع منه بشيء.
فهذه سنة الله في خلقه على
الدوام إلى قيام الساعة وزوال
الدنيا؛ حيث سيستمر القصم
والكسر لأناسٍ أو أشياءٍ
تخصهم نتيجة ارتكابهم ما
نهاهم الله عنه وقيامهم
بمنازعته في ردائه الكبرياء.
لقد كان هناك الكثير من قصص المتكبرين الأفراد والجماعات
والأمم والمدن والبلدان الذين
قصمهم الله فيما مضى من
الزمان القديم، وليس القصم
عقوبة قاصرة على مَن ينازع
الله في ردائه الكبرياء فحسب
بل أيضًا يكون عقوبة من يتحدى
الله جلَّ وعلا بادعائه
القدرة على التصرف في الأشياء
والتحكم المطلق فيها ونسبتها
إلى علمه ومشيئته فتكون
عقوبته في قصم هذه الأشياء،
قال تعالى:
﴿حَتَّى
إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ
زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ
وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ
قَادِرُونَ عَلَيْهَا
أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا
أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا
حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ
بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ
نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ
يَتَفَكَّرُونَ﴾[10]. فهذا مثل لقوم
يتفكرون فيعتبرون به على قصم
الأشياء وزوالها فجأة بأمر
الله تعالى فيجعلها سبحانه
كأنها لم تكن؛ وذلك حينما يظن
أهلها أنهم قادرون عليها.
فالمشيئة مشيئة الله
تعالى وهو المدبر المتصرف في
هذا الكون، فلا قوة إلا
بالله، وما شاء الله كان وما
لم يشأ لم يكن.
إن هذه القصص
كانت أمثلة لتكون حاضرة في
الذهن ولملاحظة أوجه
الشبه بينها
وبين قصص القصم الثلاث الآتي
ذكرها من قصص القصم التي حدثت
في العصر الأخير، وهي:
السفينة تيتانيك، ومكوك
الفضاء (تشالنجر)، والممثل
(سوبرمان).
تيتانيك: السفينة التي لا
تغرق!:[11]
في العام 1909
وفي مدينة
بلفاست
والتي تعرف الآن
بـأيرلندا الشمالية، تم البدء
ببناء تيتانيك
وهي باخرة نقل ركاب
إنجليزية
عملاقة وأكبر
باخرة في العالم في ذلك
الوقت. لقد جمعوا لهذه
السفينة كل ما هو أفضل وفريد
من نوعه؛ حيث تم بناء
التيتانيك على أيدي أمهر
المهندسين وأكثرهم خبرة،
واستخدم في بنائها أكثر أنواع
التقنيات تقدمًا في ذلك
الوقت، وزودت بأعلى معايير
السلامة، وتفوقت التيتانيك
على منافساتها من حيث الفخامة
والترف.
وقد سميت (تيتانيك) أي:
الجبار أو المارد؛ لكونها
اتصفت بثلاث صفات لم تتوفر
بغيرها من السفن وهي:
الضخامة، والفخامة، وعدم
القابلية للغرق.
لم تكن هذه السفينة قابلة
للغرق في نظر من صممها،
فالسفينة ليست كغيرها من
السفن حيث تنفرد باحتوائها
على قاعين يمتد أحدهما عبر
الآخر كما يتكون الجزء السفلي
من السفينة من 16 قسمًا
(مقصورة) لا يمكن أن ينفذ
منها الماء، وحتى لو غمرت
المياه على سبيل الافتراض أحد
هذه الأقسام فإنه يمكن لقائد
السفينة وبمنتهى السهولة أن
يحجز المياه داخل هذا الجزء
بمفرده ويمنعها من غمر باقي
الأجزاء.
أسطورة السفينة التي لا تغرق:
لقد
ترقب العالم بلهفة ذلك الحدث
التاريخي، وهو قيام السفينة
تيتانيك بأولى رحلاتها عبر
المحيط
الأطلسي
من إنجلترا إلى نيويورك في 10
إبريل 1912.
فعلى رصيف ميناء كوين ستون
بإنجلترا كان الاحتفال بالغًا
بهذا الحدث الكبير، حيث كان
المسافرون يتجهون إليها في
سعادة وكبرياء،
وقد جمعت على ظهرها نخبة من
أثرياء إنجلترا وأميركا. واصطف
آلاف الناس
من المودعين وغير المودعين
يتأملون، بإعجاب السفينة
العملاقة وهي راسية في
الميناء في قوة وشموخ،
وتمنى الكثير منهم أن يكون له
مكان على ظهر السفينة.
وجاء الموعد المحدد لبدء
الرحلة، فارتفعت الأعلام،
وبدأت فرق الموسيقى المحتشدة
على رصيف الميناء تعزف
موسيقاها وسط هتاف المودعين
والمسافرين، وبدأ صوت المحرك
يعلو حتى أخذت السفينة
تيتانيك تتحرك لتبدأ أولى
رحلاتها وسط هذا الاحتفال
البهيج.
بداية المخاطر:
بدأت السفينة تيتانيك رحلتها
بالفرح والأمنيات الحلوة
واستمرت رحلتها عبر المحيط
على هذا النحو لأربعة ليال
كاملة. فراح كل من عليها
يستمتع بأجمل الأوقات. ومن
ناحية أخرى كانت السفينة
تايتانيك قد قطعت شوطًا
كبيرًا من رحلتها الأولى
بنجاح وهدوء تام، أثبتت فيه
جدارتها الفائقة في خوض
البحار، وقد دعا هذا إلى
زيادة سرعة السفينة بدرجة
كبيرة وإطلاق العنان لها بعد
أن تأكد لطاقمها جدارتها في
خوض البحر. وفي 14 إبريل 1912
وهو اليوم الخامس من رحلة
السفينة بدأت المخاطر تتربص
بالسفينة العملاقة ومن عليها
من سادة القوم، فمنذ ظهيرة
ذلك اليوم حتى آخره، تلقت
حجرة اللاسلكي بالسفينة رسائل
متعددة من بعض السفن المارة
بالمحيط ومن وحدات الحرس
البحري تشير إلى اقتراب
السفينة من الدخول في منطقة
مياه جليدية مقابلة للساحل
الشرقي لكندا. ولم يبد أحد من
طاقمها أي اهتمام. فقد كانوا
جميعًا على ثقة بالغة
بسفينتهم العملاقة تيتانيك،
وكانت تبدو لهم أنها أكبر
وأقوى من أن يعترض شيء طريقها
فما بالهم يبالون ببعض قطع من
الجليد. بل إن قبطان السفينة
عندما لاحظ انخفاضًا في درجة
الحرارة عند حلول الظلام مما
يعني أن السفينة تقترب بالفعل
من منطقة جليدية لم يبد
اهتمامًا كبيرًا لهذا الأمر
ثم دخل حجرته لينام بعد أن
أعطى بعض الأوامر ومنها
المراقبة؛ وهذا ليس إلا
اغترارًا وكبرياءً بأن
السفينة لا تغرق مهما حدث!
وفى حوالي منتصف هذه الليلة
نفسها، ارتطم جانب السفينة
بجبل الثلج، ولم يكن هذا
التصادم ملحوظًا أو مسموعًا
بدرجة واضحة، ولم يشعر معظم
ركاب السفينة بأن سفينتهم
العملاقة قد اصطدمت بأي شيء.
المفاجأة:
لكن المفاجأة كانت عند قاع
السفينة فكان هذا التصادم
يعني شيئًا أخطر بكثير مما
اعتقده ركاب السفينة. فبعد
توقف السفينة عقب حدوث
التصادم، اكتشف الفنيون حدوث
كسر بجانب السفينة تسللت منه
المياه وغمرت خمس أقسام من
الستة عشر قسمًا بأسفل
السفينة، كما توقفت الغلايات
عن العمل تمامًا، مما يشير
إلى كارثة وأن غرق السفينة
تيتانيك أمر محتم.
فأعطى القبطان أوامره في
الحال بإخلاء السفينة وإعداد
قوارب
النجاة التي لم تكن تكفي إلا
لنقل 1100 راكب وهو نصف عدد
الركاب، وكانت هذه الحقيقة
غائبة تمامًا عن ركاب
السفينة، الذين خرجوا من
حجراتهم إلى ظهر السفينة في
هدوء تام وعدم اكتراث، بل إن
بعضهم خرج يغني ويمزح، وكأنهم
يسخرون من هذا الموقف، فهم
يعتقدون أنهم على ظهر السفينة
العملاقة التي لا يمكن أن
تغرق. بدأ ركاب السفينة
يصعدون قوارب النجاة بناءً
على تعليمات القبطان الذي أمر
بإخلاء السفينة من النساء
والأطفال أولاً، على أن يذهب
الرجال بعد ذلك إلى قوارب
النجاة إذا توفر لهم أماكن
بها. وفي الحقيقة أن بعض
الركاب لم يكن يريد الدخول
إلى قوارب النجاة؛ لأن
السفينة العملاقة كانت لا
تزال بالنسبة لهم أكثر أمانًا
واطمئنانًا من قوارب النجاة
الصغيرة.
شبح الموت:
استمر الحال كما هو عليه بظهر
السفينة، الموسيقى تعزف،
والسفينة تنخفض تدريجيًا
والخوف يزداد مع اقتراب ظهر
السفينة من سطح المياه، والذي
لا يزال يحمل مئات الركاب من
الرجال بعد إخلاء النساء
والأطفال وعدد من الرجال،
فبدأ شبح الموت يخيم على وجوه
الجميع خاصة بعد نفاد معظم
قوارب النجاة، فإما الموت
غرقًا مع السفينة وإما القفز
إلى المياه الجليدية الكفيلة
بإحداث صدمة عصبية مميتة
بمجرد النزول إليها.
وبمرور الوقت، لم يدر الباقون
على ظهر السفينة ماذا يفعلون؟
فلجؤوا جميعًا في فزع وخوف
إلى مؤخرة السفينة المرتفعة
في الهواء عن سطح الماء، بعد
أن غاصت مقدمتها تمامًا في
المياه. وما كان أقساها من
فترة مؤلمة للجميع، فلم يبق
أمامهم إلا دقائق وتغوص بهم
السفينة بأكملها في مياه
المحيط وأمام هذا الفزع
الرهيب اضطر بعض الركاب إلى
الوثب في المياه الجليدية
لعلهم يلحقون بقوارب النجاة
فمات معظمهم، ولم ينج منهم
إلا القليل الذين استطاعوا أن
يصلوا إلى قوارب النجاة التي
أخذت تبحر بعيدًا عن السفينة.
أما داخل هذه القوارب، فكانت
الدهشة تملا نفوس الجميع
الذين راحوا يتأملون في ذهول
سفينتهم العملاقة، التي لا
تغرق، وهي تغوص في المياه
بهيكلها الضخم وأنوارها
الزاهية، ودوى في الفضاء صوت
الزئير المروع والسفينة تشق
طريقها إلى القاع ولم تمض إلا
لحظات حتى اختفت السفينة
تمامًا تحت سطح المياه،
لتختفي معها أسطورة المارد
الجبار الذي لا يقهر ولا
يغرق, ففي الساعة الثانية
والثلث بعد منتصف ليلة الأحد
الموافق الخامس عشر من أبريل
1912، كانت السفينة تيتانيك
قد اختفت تمامًا عن سطح
المياه هي ومن عليها من مئات
الركاب. واستغرق غرقها
ساعتين وأربعين دقيقة من لحظة
الاصطدام. وكان غرقها في أول
رحلة لها صدمة كبرى للجميع.
كان على متن الباخرة 2223
راكب، نجا منهم 706 شخص فيما
لقي 1517 شخص حتفهم، ومن
بينهم الرجل الذي قام
بتصميمها وافتخر بها،
وقبطانها الذي وثق بها أشد
الوثوق.
عندما
أخطر مكتب الشركة المالكة
للسفينة في نيويورك أن
تيتانيك تواجه مشكلات، صرح
نائب رئيس الشركة السيد
فرانكلين قائلاً: (نحن نضع
ثقة حتمية في تيتانيك. نحن
نؤمن بأن السفينة غير قابلة
للغرق). وفي الوقت الذي قال
فيه هذه الكلمات كانت تيتانيك
في قعر المحيط.
ويرى خبراء الغرب أنه على
الرغم من غرق السفينة تيتانيك
بهذه الصورة المفاجئة وفي
أولى رحلاتها، إلا أنها لا
تزال من أأمن السفن التي
عرفتها البشرية! ليس فقط من
حيث الفترة التي بنيت فيها
السفينة، بل وحتى اليوم. وأن
السبب الرئيس لغرق السفينة
يكمن في كيفية وقوع الاصطدام،
حيث اصطدمت السفينة بجبل
الجليد الذي فاجأها وهي تسير
بأقصى سرعتها. فلم يسبق أن
شهدت بحار العالم مثل هذا
الحادث وبنفس الكيفية التي تم
بها.
في 1 سبتمبر من عام 1985 وذلك
بعد 73 سنة من غرق السفينة,
تم اكتشاف حطام السفينة في
قعر المحيط الأطلسي، وكان
اكتشاف موقعها حلم يراود
الجميع، فقد كانت ولا زالت
أسطورة تجذب الناس. وقد
اكتشفتها بعثة استكشاف
فرنسية-أمريكية. وقد لاحظ
فريق المستكشفين آنذاك أن
السفينة قد انقسمت لنصفين بعد
فترة وجيزة من غرقها قريبة من
السطح وقبل أن تصل لقاع
المحيط.
خاتمة:
لماذا غرقت السفينة تيتانيك
وفي أول رحلة لها؟ ولماذا هي
حادثة الغرق
الأشهر مع وجود حوادث غرق
لسفن أخرى؟ لقد ساد الاعتقاد
بأن هذه السفينة غير قابلة
للغرق ليس عند من صممها فحسب
بل شمل أيضًا أصحابها وطاقمها
وركابها والناس الذين رأوها
أو سمعوا عنها عند الإعلان
عنها،
وقد وصل الأمر إلى حد قول
العبارة الشهيرة: ((الله نفسه
لا يستطيع إغراق هذه
السفينة))!!!. وهناك جدل حول
ما إذا قيلت هذه العبارة أم
لا،
ولكن
لا يمكن نفي أو إنكار أنه كان
هناك اعتقاد وإيمان عند الناس
في ذلك الوقت بأن هذه السفينة
لا تغرق، والاعتقاد القلبي هو
الأساس وأهم من القول
اللساني، وهنا وجه الخطورة
التي تعرض الإنسان إلى سخط
الله وغضبه. فالجزم بأن
السفينة لا تغرق وعدم الغرق
يصبح من المسلمات عندهم يعد
تألَّي على الله، كما حدَّث
رسول الله صلَّى الله عليه
وسلَّم:
«أن رجلاً قال: والله لا يغفر الله لفلان. وإن الله تعالى
قال: من ذا الذي يتألَّى
عليَّ أن لا أغفر لفلان فإني
قد غفرت لفلان وأحبطت عملك»[12]؛ ومعنى يتألى يحلف. وهذا إضافة إلى الأسباب الأخرى التي
اجتمعت فيما يخص هذه السفينة
من أوجه الشبه بين قصتها وقصة
قارون.
فقد كان هناك أوجه شبه متعددة
بين قصة قارون
الذي
خسف الله به وبداره الأرض
وقصة هذه السفينة التي أطلق
عليها العديد من صفات العظمة
والألقاب غير المسبوقة، واغتر
أيضًا مصمموها وصانعوها بأن
صنعها كان بما لديهم من علم
عندهم وأصابهم الكبرياء
والخيلاء بما صنعوا حتى جزموا
بأن هذه السفينة غير قابلة
للغرق، ثم أقيم لها احتفال
كبير وبدأت الإبحار في زينتها
وطاقمها ومصممها وركابها في
كبرياء وخيلاء ومباهاة؛ فتمنى
الحاضرون لهذا الاحتفال أن
لو كانوا على ظهر السفينة
مثل ركابها فخسف الله بها
البحر وقصمها إلى نصفين في
أول رحلة لها؛ وأصبح الذين
تمنوا أن يكونوا من ركابها أو
تخلفوا عن ركوبها يقولون لو
أنهم ركبوها لغرقوا مثل
ركابها.
ولم يكن غرق السفينة بحد ذاته
هو الأمر العجيب الوحيد، بل
قصم السفينة إلى قسمين كان
أمرًا عجيبًا آخر يخص هذه
السفينة وجعل الباحثون
والمهندسون يعكفون على دراسة
السبب الحقيقي وراء قصمها،
وفي نهاية أحد الأفلام
الوثائقية عن هذا الأمر علقوا
قائلين إنه لا يوجد أي علة أو
عيب في التصميم يسبب للسفينة
الانشطار إلى نصفين، سوى أنه
كانت هناك قوة ساحقة قصمت
السفينة إلى نصفين!.
المكوك
(تشالنجر):
(تشالنجر) أي المتحدي! هو
مكوك الفضاء الثاني بعد
المكوك الأول (كولومبيا).
وأول رحلة له كانت في 4 أبريل
1983، وأنجز ما
مجموعه تسع رحلات خلال ثلاث
سنوات.
الرحلة العاشرة كانت في 28
يناير 1986، وكان الطاقم مؤلف
من سبعة أفراد. وقد
حظيت هذه الرحلة وما
حدث بعدها بتغطية إعلامية
واسعة فشاهدها 85٪ من
الأميركيين خلال ساعة، وشاهد
الإقلاع الحي كثير من الناس
بسبب حضور أحد أفراد الطاقم
وهي امرأة كأول عضو في (مشروع
معلم في الفضاء)، التي كانت
ستكون أول معلمة في الفضاء.
بعد 37 ثانية من إطلاق المكوك
تشالنجر في هذه الرحلة
العاشرة وقعت المفاجأة التي
أذهلت الجميع؛ فقد انفجر
المكوك وتكسر إلى
أجزاء في السماء أمام أعين
الناس مما أدى إلى وفاة جميع
أفراد الطاقم السبعة. وهو
الحادث الأول من نوعه لمكوك،
وبعد هذا الحادث توقفت رحلات
المكوكات الأخرى لسنتين ونصف.
وبعد التحقيقات في أسباب
الحادث عزوا تحطم المكوك إلى
عدة عوامل مختلفة بالإضافة
إلى الحرارة المنخفضة غير
العادية التي سبقت الإقلاع في
ذلك اليوم.
والجدير بالذكر أنني كنت قد
توقعت انفجار المكوك تشالنجر
قبل انفجاره، فكيف توقعت ذلك؟
إن الجواب له علاقة بالسنة
الإلهية في القصم. فقد كنت
أسير على رصيف أحد الشوارع
ومررت من أمام مكتبة تضع على
جدارها الخارجي لوحة خشبية
تعلق عليها الصحف اليومية
فلفت نظري عنوان عريض لإحدى
هذه الصحف فتوقفت وقرأته وكان
تصريحًا لمسؤول عن رحلات
المكوك يعتذر فيه عن تأخير
إطلاق المكوك 0،75 من
الثانية، أي ثلاثة أرباع
الثانية؛ فما أن انتهيت من
قراءة هذا العنوان حتى تردد
في ذهني مباشرة قول الله
تعالى:
﴿حَتَّى
إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ
زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ
وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ
قَادِرُونَ عَلَيْهَا
أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا
أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا
حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ
بِالْأَمْسِ﴾[13]. فقلت في نفسي إن هذا المكوك سوف ينفجر!
إنه لمن الطبيعي أن يحدث تأخير ويكون أمرًا عاديًا لا يستحق
ذكره أو الاعتذار عنه في
الإعلام، أما أن يكون
الاعتذار عن تأخير إطلاق
المكوك بهذا الشكل على مستوى
العالم
ويُكتب بالبنط
العريض في الصحف وتأخير عن
ماذا؟ عن ثلاثة أرباع
الثانية؛ فهذا ليس إلا كبرياء
وخيلاء ورسالة للعالم أجمع
أنهم قد أصبحوا قادرين على
المكوك بشكل مطلق إلى الدرجة
التي يرون فيها أن التأخير عن
إطلاقه هذه المدة المتناهية
في الصغر وأقل من ثانية واحدة
تستحق الاعتذار، كما أنها
رسالة غير مباشرة للعالم أنهم
أفضل الناس علمًا ودقةً من
بقية البشر. فما دام أهل هذا
المكوك قد ظنوا أنهم قادرون
عليه فسيترتب على ذلك أن
يأتيه أمر الله فجأة فيجعله
سبحانه كأنه لم يكن وهو ما
حدث بالضبط.
ولا بد من ذكر أنه بعد سبعة
عشر عامًا من انفجار تشالنجر
قاموا خلالها بعدد من
التعديلات والتحديثات على
تصميم المكوك لمنع انفجاره أو
حصول أي حادث له ولو كان
صغيرًا، وأطلقوا عددًا من
الرحلات الناجحة حتى وثقوا
بصناعتهم وإنجازاتهم وظنوا
مرة أخرى أنهم قادرون على
المكوك ومسيطرون عليه، فلما
قاموا بإطلاق المكوك الآخر
(كولومبيا) سارت الأمور على
ما يرام في الإقلاع ثم طوال
الستة عشر يومًا التي قضاها
في الفضاء مما جعل المسؤولين
عن الرحلة مسرورين لهذا
النجاح في هذه المدة الطويلة
نسبيًا
والإنجازات التي حققوها فيها،
ثم حان موعد عودته إلى الأرض
في 1 فبراير (شباط) 2003،
وأثناء هبوطه ودخوله الغلاف
الجوي
حدثت المفاجأة والصدمة
الكبيرة؛ فقد انفجر وتفتت إلى
مئات آلاف القطع الصغيرة التي
سقطت وانتشرت على مساحات
كبيرة من الأرض، وقتل في
كولومبيا سبعة رواد أيضًا مثل
عدد قتلى تشالنجر، وبذلك يكون
المكوكان الأول والثاني قد
خرجا من الخدمة بهذين
التفجيرين.
وقد تميزت هذه الرحلة للمكوك
كولومبيا بعدة أمور، وأولها
أن المسؤولين عن المكوك قد
شاؤوا أن تكون هذه الرحلة رقم
(28) للمكوك كولومبيا هي آخر
رحلة له ثم إيقافه عن العمل،
ولكن شاء الله وقدَّر أن يكون
توقفه عن العمل بطريقة أخرى
لكي تظل محفورة في أذهانهم
وتذكرهم بقدرة الله التي هي
أكبر من قدرتهم ومشيئته التي
هي فوق مشيئتهم وهي الطريقة
التي كانوا لا يرغبون بها
ويستبعدون حدوثها. والأمر
الثاني هو أنه كان على متن
كولومبيا أول رائد فضاء
إسرائيلي. والأمر الثالث هو
أن عملية الإقلاع قد حظيت
بحراسة شديدة غير مسبوقة بسبب
حضور ثلاث مئة إسرائيلي
لمشاهدتها. وقد شكوا في
البداية بأنه ربما يكون وراء
انفجار المكوك عمل إرهابي،
وهذا مؤشر على الثقة المطلقة
بعلمهم وعملهم وصناعتهم
فيستبعدون وجود أي خطأ أو ضعف
من قبلهم يؤدي إلى انفجار
المكوك. ولكنهم في نهاية
المطاف اكتشفوا شيئًا صغيرًا
وتافهًا هو الذي تسبب في هذه
الكارثة الكبيرة وهو خروج
رغوة من الصاروخ (خزان
الوقود) وارتطامها في الجناح
الأيسر للمكوك أثناء الإقلاع،
ولم يلق المسؤولون عن الرحلة
بالاً لذلك خاصة أنه لم يظهر
أي مؤشر على قرب وقوع حادث ما
طوال الستة عشر يومًا التي
تلت الإقلاع.
ما من شك أن الإتقان مطلوب في
كل شيء وهو من الأمور التي
يحبها الله، وما من شك أن
اختراع هذا المكوك شيء عظيم،
ولكن بشرط ألا يؤدي ذلك إلى
الكبرياء والخيلاء والاستعلاء
على الناس والجزم بالقدرة
الكاملة على الأشياء، فإذا
كانوا يعملون حساب كل شيء
يتعلق بالمكوك فيجب ألا
تجعلهم ثقتهم في مهارتهم
وقدرتهم على السيطرة على
الأشياء أن يجزموا بأنه لا
شيء يُسقِط المكوك، وعندما
يقع الحادث ينسبونه إلى شيء
ما صغير أو يقولون بأن هناك
عوامل غامضة أو غير عادية أدت
إلى الحادث، نعم هناك عوامل
غير عادية تسببوا هم فيها حيث
لم يعملوا حساب أنه إذا قدر
الله إسقاط المكوك فسيكون ذلك
من حيث لم يحتسبوا، فهو تعالى
قادر على خلق عوامل غير عادية
وخارجة عن سيطرتهم تتسبب في
قصم المكوك وكسره وتفتيته،
وهو تعالى يعلم السر وأخفى
وله الحكمة في قصم بعضها دون
بعض لأسباب يعلمها وحده عزَّ
وجلَّ مما يتعلق بالمكوك أو
بالمسؤولين عنه أو بالدولة
التي تمتلكه.
سوبرمان:
(سوبرمان) الرجل الخارق والبطل الجبار. الشخصية
المشهورة على مستوى العالم
أجمع، التي تطورت قصصه من
صفحات المجلات المصورة إلى
مسلسلات الإذاعة إلى مسلسلات
التلفاز إلى الأفلام
السينمائية.
إنه الشخص الخيالي الخرافي
الذي لا وجود له في واقع
الحياة، وإنما هو رجل كغيره
من الرجال يمثل الأفلام التي
جعلوه فيها
بطلاً أسطوريًا يحمي العالم،
ويطير إلى كل مكان ويحارب
الأشرار، ويحمل السفن
والقطارات والطائرات وما إلى
ذلك؛ ومع أنه شخصية خرافية لا
وجود له وأن ما يفعله في
الأفلام هو مجرد خدع تصويرية
غير حقيقية إلا أنه كان له
وجود كبير وتأثير عظيم في
الواقع خاصة على الأطفال
والمراهقين والشباب.
ومع أن وظيفة سوبرمان في
الأفلام هي محاربة الشر ومنع
الضرر عن الناس، إلا إنه في
واقع الحياة قد سبب كثيرًا من
الشر والمآسي، وأوقع الضرر
على كثير من الناس، وفطر قلوب
كثير من الآباء والأمهات في
أنحاء العالم الذين مات
أولادهم بسبب قيامهم بالقفز
من أسطح المباني وشرفات
المنازل والأماكن العالية
لتقليد هذه الشخصية في
الطيران.
لقد وصل الحال عند الكثير من
الأطفال والمراهقين والشباب
إلى الاعتقاد بأن هذه الشخصية
حقيقية وتعلقت قلوبهم به وأخذ
الكثير منهم يقلده حتى في
لباسه بربط شرشف أو منشفة أو
قطعة قماش بالرقبة لتتدلى على
الظهر مثلما يظهر سوبرمان في
الأفلام، ووصل الحال ببعضهم
في تقليده في الطيران والقفز
من أماكن عالية ولقاء الحتف
أو على الأقل الإصابة بكسور
أو إعاقة دائمة.
إن أول وأفضل ممثل قام بدور سوبرمان عندما بدأت
سلسلة الأفلام السينمائية في
العام 1978 هو (كريستوفر
رييف)، وإن اعتقاد الأطفال
والمراهقين والشباب في مختلف
بلدان العالم بأن القوى التي
لديه في الأفلام هي قوى
حقيقية أمر خطير للغاية وله
تأثير سلبي على سلامتهم
البدنية وعلى معتقداتهم
الدينية، هذا عدا أن هناك من
الناس من أطلق على (كريستوفر)
لقب (إله) إلى درجة أنه كان
غير قادر على الهروب من هذا
التلبيس حتى بعد أن صرح
قائلاًُ: ((أنا لست الله، أنا
رجل، ممثل ألعب دور إله!)).
لا بد للناس أن يعرفوا حقيقة
هذا الرجل الذي يقوم بدور
السوبرمان بأنه إنسان مثلهم
وضعيف وربما يكون أضعف ممن
يقلدونه أو يعظمونه ويرفعونه
فوق جنس البشر، وذلك حتى تسقط
أسطورة قوته من عقولهم
وقلوبهم ليعلموا أن الله
تعالى وحده هو القوي الجبار؛
فكان أن قدَّر الله القصم
على هذا الرجل وذلك عندما سقط
عن حصانه في 27 مايو (أيار)
1995، وتحطمت فقراته العنقية
ولم تعد جمجمته متصلة بعموده
الفقري، وقال الأطباء بأنه
إضافة إلى أنه لن يكون قادرًا
على المشي فإنه لن يستطيع
تحريك أي جزء من جسمه، أي
أصيب بالشلل من الرقبة إلى
أسفل جسمه. وقد فكر بالانتحار
ولكن وقوف زوجته بجواره
وتشجيعه جعله يعدل عن فكرة
الانتحار نهائيًا. ثم أجريت
له عملية ترميم الفقرات
العنقية المحطمة باستخدام
عظام من وركه ثم إعادة وصل
الجمجمة بالعمود الفقري. وبعد
ذلك صار يستخدم كرسيًا
متحركًا بواسطة نفخ الهواء في
أنبوب بواسطه فمه، لأنه لم
يعد لديه شيء يتحرك سوى
الرأس. وقد توقف قلبه في 10
أكتوبر 2004 ومات عن عمر 52
عامًا، وأُحرقت جثته ونُثرت
رفاته.
والجدير بالذكر أنه إذا كان
(كريستوفر رييف) هو أول ممثل
قام بدور سوبرمان في السينما،
فقد سبقه ممثل آخر بلعب دور
سوبرمان في التلفاز ويدعى
(جورج رييفز)، وقد مات
منتحرًا حسب الرواية الرسمية
ومقتولاً حسب ظن والدته،
وحينها شعرت جماهير سوبرمان
وكأن سوبرمان نفسه انتحر.
إضافة إلى موت عدد آخر ممن
مثل دور سوبرمان أو كان له
عمل أو علاقة في أفلام
سوبرمان حتى بات يعُرف في
الغرب ما يُسمى بـ (لعنة
سوبرمان).
الخاتمة:
هناك أمر مهم آخر يتعلق بهذه
القصص الثلاث؛ وهي أن الأسماء
التي أطلقت عليها هي من
الأسماء التي يبغضها الله،
وقد نهى الإسلام عن التسميات
التي تطفح بالتعظيم، فقد قال
رسول الله صلَّى الله عليه
وسلَّم:
«اشتد
غضب الله على رجلٍ تسمى بملك
الأملاك، لا ملك إلا الله
عزَّ وجلَّ»[14].
فعلى هذا الحديث قس هذه
الأسماء: (تيتانيك) ومعناه:
الجبار أو المارد. و(تشالنجر)
ومعناه: المتحدي. و(سوبرمان)
ومعناه: الرجل الخارق، وسمي
أيضًا: البطل الجبار، وأطلق
عليه لقب إله.
لقد اكتفيت بذكر هذه القصص
الثلاث للقصم كأمثلة، وإلا
فالقصم مستمر في زماننا وإلى
قيام الساعة؛ لأن هناك دائمًا
مَن يريد أن ينازع الله في
ردائه الكبرياء، أو يأتي
بالأفعال الأخرى المسببة
للقصم.
إن ما قصه الله تعالى علينا
في القرآن من قصص القصم
والعذاب والتدمير والخسف وغير
ذلك من صنوف العقاب للأفراد
أو الجماعات أو الأمم أو
البلدان ليس لغرض التلاوة
واحتساب أجرها فحسب ولا
للتسلي بقصص الأقدمين وإنما
لأخذ العبرة من ذلك والاتعاظ
والحذر لتجنب القيام بأي عمل
مشابه لهم مما يعد تحديًا لله
تعالى، أو تألي عليه، أو
منازعته الكبرياء أو العظمة،
أو الجزم بالقدرة المطلقة على
الأشياء والتصرف فيها، أو
الخيلاء والاستعلاء على
الناس، أو التباهي بالمال
وغيره وأنه جاء بفضل النفس،
﴿فَإِذَا
مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ
دَعَانَا ثُمَّ إِذَا
خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا
قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ
عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ
فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ
أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾[15]. أو ظلم المؤمنين
والطغيان عليهم وقتلهم
]وَتِلْكَ
الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ
لَمَّا ظَلَمُوا﴾[16]. وغير ذلك من الأمور
والأفعال التي تجلب غضب الله
وسخطه وتستوفي موجبات القصم
والعقاب في الدنيا ثم في
الآخرة.
ومن ناحية أخرى فإن تلاوة
القرآن المستمرة ومعرفة
الآيات التي تخص هذه القصص
والتأمل فيها تجعل عند المؤمن
فراسة؛ قال الله تعالى:
﴿إِنَّ
فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ
لِلْمُتَوَسِّمِينَ﴾[17]. أي: للمتفرسين
المتأملين المعتبرين بعلامات
الله. وقال النبي صلَّى الله
عليه وسلَّم:
«إن
لله تعالى: عبادًا يعرفون
الناس بالتوسم»[18].
فعليه أن يتأمل بما
يجري حوله من أحداث في هذا
العالم، والرجوع إلى القرآن
والآيات لمعرفة سنن الله
تعالى الدائمة المستمرة التي
تخص كل حدث فتظهر له حقيقته
وما قدَّره الله فيه، بل
وربما يتفضل الله عليه فيتوقع
حدوث بعض حالات القصم بحسب
هذه السنن.
أما إذا كنت ترى من حولك مَن
يقوم بمثل هذه الأعمال التي
تجلب غضب الله وسخطه ولم يصبه
شيء بعد من قصم في نفسه أو
ماله أو عائلته وغير ذلك من
أنواع القصم التي لا حصر
لها.. فالعبرة بالخواتيم؛ لأن
هناك أيضًا سنة من سنن الله
وهي أنه تعالى يملي للظالم
وهو الإطالة في العمر
والإمهال ويستدرجه لكي يستمر
في غيه وطغيانه فيزداد إثمًا
ويكثر عليه صنوف العذاب ولا
يكون له حظًا في الآخرة، قال
تعالى:
﴿وَلَا
يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ
كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي
لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ
إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ
لِيَزْدَادُوا إِثْمًا
وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ﴾[19]. وقد قال رسول الله
صلَّى الله عليه وسلَّم:
«إن
الله ليملي للظالم حتى إذا
أخذه لم يفلته»[20].
ثم قرأ:
﴿وَكَذَلِكَ
أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ
الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ
إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ
شَدِيدٌ﴾[21]. فهذه هي سنة الله
تعالى أن يمهل الظالم حتى إذا
أخذه لم يتركه حتى يستوفي
عقابه؛ وهكذا يكون إهلاكه
وعذابه وقصمه وكسره للظالمين
الأفراد والجماعات والأمم
والقرى والمدن.
فسبحان الله كيف يفعل بمن
ينازعه الكبرياء والعظمة، أو
يظلم خلقه المؤمنين
ويقتلهم...! كائنًا من كان
ومهما علا شأنه وسلطانه في
الدنيا فإن الله جلَّ وعلا
يقصمه قصمًا ويكسره كسرًا
ويفضحه ويجعله عبرة للناس
أجمعين،
فهو عزَّ شأنه قادر على أن
يرسل إليه فيروسًا صغيرًا، لا
تُرى
الآلاف منه بالعين المجردة من
صغرها، فيدخل جسمه فلا
يستطيع له دفعًا ولا علاجًا
فيهلكه الله به، أو
يدخل دماغه فيسبب له الحمى
الشوكية فيهذي هذيانًا ويجن
جنونًا، أو يقصم ظهره أو يشله
فلا يستطيع حراكًا أو غير ذلك
من الأمراض فلا يستطيع أحد
علاجه أو إنقاذه من عذاب الله
وعقابه، ويتمنى الموت ولا
يجده، وما ذلك على الله
بعزيز إنه على كل شيء قدير.
وهل ينتهي الأمر عند هذا الحد
من القصم في الدنيا؟ لا..! بل
هناك مصير آخر، قال رسول الله
صلَّى الله عليه وسلَّم:
«قال
الله عزَّ وجلَّ: الكبرياء
ردائي، والعظمة إزاري، فمن
نازعني واحدًا منهما، قذفته
في النار»[22].
فمن ينازع الله في الكبرياء
والعظمة فهو يعرض نفسه للقصم
والقذف في النار.
لذا فليحذر الإنسان أشد الحذر
إذا أصبح ذا سلطان وجاه ومنصب
رفيع؛ أن يتملكه الغرور ثم
يصاب بالكبرياء والخيلاء
فينسى أن له خالقًا هو الله
له ملك السماوات والأرض وما
بينهما وهو سبحانه ذو الجبروت
والملكوت والكبرياء والعظمة
وهو الذي يحيي ويميت وقد
أحياه وسيميته عما قريب مثله
مثل غيره من البشر، فمهما عظم
شأن الإنسان في الدنيا فليس
له أن يصيبه الكبرياء لأنه
رداء الله عزَّ وجلَّ وهو
بذلك ينازع الله في ردائه
ويعرض نفسه للقصم، وعليه أن
يتذكر على الدوام أنه بشر
ضعيف، ونصيحتي له أنه كلما
شعر بالكبرياء والعظمة
فليتأمل في نفسه ماذا يفعل في
دورة المياه وهو يقضي حاجته
مما يخجل أن يطلع عليه أحد من
الناس حتى أقرب المقربين
إليه.
من ناحية أخرى فإنه علينا
التفريق بين إصابتين تكونا
متشابهتين: فالذي يشهد عليه
الناس وتشهد عليه أفعاله أنه
من الظالمين فما يصاب به فهو
القصم العقابي، أما من يشهد
عليه الناس وتشهد عليه أفعاله
أنه من المؤمنين الذين يعملون
الصالحات فهو ابتلاء؛ وشتان
بين القصم الذي فيه العذاب في
الدنيا والنار في الآخرة
وابتلاء فيه تطهير للذنوب
والخطايا حتى يمشي وما عليه
ذنب ثم يكون ثوابه الجنة في
الآخرة. قال رسول الله صلَّى
الله عليه وسلَّم
«ما
يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة
في نفسه وولده وماله، حتى
يلقى الله وما عليه خطيئة»[23].
وختامًا أسأل الله تعالى أن
يجنبنا أي شعور بالكبرياء أو
العظمة أو الاستعلاء على
الناس، وأن يجنبنا فعل أي شيء
يسبب غضبه وسخطه، وأن يوفقنا
إلى ما يحبه ويرضاه، وأن
يعلمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا
بما علَّمنا، وأن ينفع بنا
غيرنا من المسلمين، وصلى الله
على نبينا محمد وآله وصحبه
وسلَّم تسليمًا.
عدنان الطَرشَة
[14] صحيح
الجامع 988.
[15]
سورة الزمر،
الآية: 49.
[16]
سورة الكهف،
الآية: 59.
[17] سورة
الحجر، الآية: 75.
[18] صحيح
الجامع 2168.
[19]
سورة آل
عمران، الآية: 178.
[20]
البخاري 4409.
[21]
سورة هود،
الآية: 102.
[22]
صحيح سنن أبي
داود 3446.
[23] صحيح
سنن الترمذي 1957.
تنزيل
المقال pdf