الصلاة وقاية وعلاج لتشوهات القوام[*]
العادات القوامية السيئة:
إن حياة الراحة
والرخاء في الوقت الحاضر - سواء أكانت في الحركات اليومية أم حركات العمل وخاصة
العمل الفقير للحركات، وطريقة الحياة الجالسة - تؤدي إلى كثير من العيوب والتشوهات
القوامية.
ونلاحظ
أن التشوهات في المصانع أخذت دورًا كبيرًا
فنتجت التشوهات نتيجة لإدارة الآلات بأجزاء
محددة من الجسم - كالجانب الأيمن مثلاً - بصفة
مستمرة فتقوى عضلات هذا الجانب دون الجانب
الآخر.
واستدارة
الكتفين على سبيل المثال من العيوب المنتشرة
ويرجع ذلك إلى ضعف عضلات الظهر المتصلة
بجانبي العمود الفقري من منطقة الرقبة إلى
منتصف الظهر وأيضًا بعظام الكتفين، وغير ذلك
من العيوب الأخرى مثل تحدب الظهر والتجويف
القطني والانحناء الجانبي وتفلطح القدمين..الخ. وتنشأ معظم هذه الحالات عن طريق العادات القوامية السيئة وأوضاع المهنة الخاطئة التي
بسببها يحدث تغير في أوضاع الهيكل العظمي.
كما يكون أحد أسبابها الرئيسية - سوء
التغذية.
نلاحظ أن
هناك أعدادًا هائلة من الناس اليوم أصبح عملهم الوحيد هو الجلوس على كرسي لساعات
طويلة في المكاتب، يضع أحدهم خلالها يديه أمامه على الطاولة يكتب أو يستخدم الحاسوب (الكمبيوتر)، أو غير
ذلك من الوظائف، فنتج عن ذلك أوجاع أسفل
الظهر؛ فترى الموظف يقوم من كرسيه فيضع يديه
على خاصرتيه ويحاول فرد ظهره للخلف. هذا
فضلاً عن العيوب القوامية التي من الممكن أن
تنتج عن هذا الجلوس خاصة إذا لم يكن في وضع
صحيح.
((وفي
بريطانيا تعاني مواقع العمل فقدان 30 مليون
يوم عمل و 200 مليون جنيه إسترليني سنويًا تنفق
على استخراج شهادات الأطباء للمصابين بآلام
الظهر أو الانزلاق الغضروفي بالإضافة إلى
تحمل هيئة التأمين الصحي 160 مليون جنيه أخرى
للإنفاق منها على علاج المصابين...
ويفسر
الاختصاصيون أسباب شيوع آلام الظهر
والانزلاق الغضروفي في المجتمعات الصناعية
بأنها تعود إلى التغييرات الجذرية المفروضة
على حركة الأفراد والتي تلجئهم إلى الوقوف
ساعات طويلة أمام الآلات والمعدات داخل
المواقع الصناعية والإنتاجية، والجلوس
ساعات طويلة أخرى خلف المكاتب وتقييد حركة
الدورة الدموية والعمود الفقري الذي يعد
الدعامة الأساسية لجسم الإنسان مما يؤدي إلى
الإصابة بآلام الظهر والانزلاق الغضروفي
والتهابات المفاصل والحوض
(وهذه تشيع عادة مع المتقدمين في السن).
إلا
أن الإصابات الشائعة في الظهر والتي تصيب
الكثيرين من مختلفي الأعمال من الشباب، لا
يرى الاختصاصيون وسيلة للتغلب عليها سوى في
تغيير أنماط السلوك الحركي. إذ إن معظم
الأفراد في المجتمعات الصناعية يستنفذون
ساعات طويلة خلال اليوم في الجلوس خلف
مكاتبهم، أو على مقاعد وسائل النقل العام أو
في سياراتهم الخاصة الأمر الذي يؤدي إلى
الإصابة بآلام الرقبة بسبب قلة الحركة، أو
التشوه في العمود الفقري الناجم عن الجلوس في
أوضاع غير صحية أو رفع أحمال ثقيلة بيد واحدة
تسبب ضغوطًا على الذراع ومن ثم الكتف والظهر
ومعاناة آلام اللومباجو (آلام في الجزء
الأسفل من الظهر)، في الوقت الذي يؤدي فيه
اختلال الجهاز العصبي إلى الإصابة المباشرة
بعرق النساء.
وينصح
الأطباء للتخلص من آلام الظهر والانزلاق
الغضروفي بالجلوس في أوضاع صحية تسمح بسهولة
انسياب الدورة الدموية، وممارسة الرياضة
البدنية بصورة يومية كلما أمكن ذلك، والسير
لمدة لا تقل عن نصف ساعة يوميًا، إذ إن السير
يساعد في الحفاظ على استقامة العمود الفقري
لأطول مدة، كذلك السير بخطوات واسعة الأمر
الذي يمنح عضلات الساقين فرصة أكبر لحرية
الحركة)).
أهمية
النشاط البدني:
وقد
أدركت الدول المتقدمة في المجالات الصناعية
أهمية التمرينات التعويضية للعمال، فقامت
بعض المصانع بتخصيص دقائق تتراوح بين 5-15
دقيقة يقوم خلالها العامل بتأدية بعض
التمرينات التعويضية التي تجدد نشاطه وتساعد
في إزالة فضلات التعب ليعود إلى عمله ويواصل
العمل بكفاءة أكبر مما يزيد الإنتاج.
وقد
أثبتت التجارب الحديثة أن قيام العامل في
أوقات الراحة بتمرينات تعويضية تساعد على
إراحة العضلات العاملة، فيكون العامل أكثر
إنتاجًا من جلوسه بلا حركة خلال أوقات الراحة.
وتقع
التمرينات التعويضية في المرتبة الأولى
للتمتع بالصحة ومنع حدوث التشوهات. ومن ثَم
فإن إعطاء هذه التمرينات يجنب التعب من خلال
الراحة الإيجابية، كما أنها تجنب العامل أو
الموظف بعض الأخطاء القوامية التي يعتاد
عليها أثناء أداء عمله.
أهمية الصلاة كنشاط بدني:
من ذلك
ندرك أن الشيء المهم هو أن يكون هناك نشاط بدني رياضي تعويضي للعمال والموظفين،
والغرب يستخدم التمارين لأنها المجال الوحيد لديه، أما نحن فلدينا المجال الأوسع
ألا وهو الصلاة؛ لأن إجراء درس تمارين رياضية في أحد مصانعنا أو مكاتبنا قد يكون
غير مستساغ أو غير مألوف، في حين أداء الصلاة شيء مألوف بل ومفروض. خاصة إذا علمنا أن درس التمرينات الذي يقوم
به العمال أو الموظفون في الغرب يحتوي على
حركات الصلاة نفسها، حيث إن الدرس يجب أن يحتوي على
تمارين لأعضاء الجسم الرئيسة وهي الرأس،
الجذع، اليدين، الرجلين. وهذا تمامًا ما
تحتويه الصلاة.
كما
أنه ليس هناك أفضل من الصلاة كنشاط بدني رياضي
يمكن أن تعطي نموًا متزنًا حقيقيًا لجميع
أجزاء الجسم، والمحافظة على اعتدال القوام ،
وتحسين النغمة العضلية التي تزيد من كفاءة
العضلة لأداء عملها بقدرة وكفاءة.
ولهذا، فمن مصلحة القائمين على المكاتب والمصانع
والمؤسسات والدوائر الحكومية...الخ - أن
يخصصوا مكانًا لأداء الصلاة جماعة في مكان
العمل، وأن يسمحوا بإقامتها في أوقاتها،
والمصنع أو المكتب.. سيكون مأجورًا في ذلك
وجامعًا بين عمل الدنيا وعمل الآخرة، وهذا من
أسباب الزيادة في الربح، والبعد عن الخسارة، فضلاً عن النجاح والتوفيق في العمل.
وإن
عدم السماح بأداء الصلاة يعد خيانة في حق
العامل أو الموظف، ولهذا الأمر مضار كثيرة
مختلفة لا بد وأن تعود على أصحاب العمل أنفسهم.
فأثر
الصلاة لا بد وأن يعود على المصلي ومن ثَم
يعود على المصنع أو المكتب... من ناحية الإخلاص
والصدق في العمل، وزيادة الإنتاج، وتحمل
المسؤولية... الخ.
فالعامل
لم يعد جزءًا من الآلة كما كان، وإنما أصبح
سيدًا لها، ولكي تتحقق هذه السيادة لا بد أن
يكون قادرًا على التحكم فيها وإدارتها بأقصى
كفاءة، والصمود للعمل أطول مدة ممكنة بالمستوى نفسه بما يضمن زيادة الإنتاج.
ولا
تتطلب سيادة العامل على آلته إلمامه بالنواحي
الفنية والميكانيكية فقط، وإنما تستلزم
الكفاءة البدنية بجانب سلامة القوام ولا شك
أن العامل المصاب بتشوه أو عاهة دائمة يؤثر
هذا تأثيرًا مباشرًا على إنتاجه، فيجهد
بسرعة، وتزيد وتستفحل التشوهات في جسمه إذا
لم تعالج بسرعة.
ويُجمع
العلماء على أن الجسم السليم الخالي من
التشوهات القوامية هو أقدر الأجسام على
الصمود والمثابرة وبذل الجهد بمستوى عال
لساعات طويلة قبل أن يظهر التعب والإجهاد.
وكما
ذكرت من قبل فإن الصلاة تؤمن للمصلي الكفاءة
البدنية وسلامة القوام. ولذلك فإن على أصحاب
العمل أن يكونوا هم أول من يحرص على إقامة
الصلاة جماعة في أماكن عملهم طالما أن آثارها
الإيجابية ستعود عليهم، وإن سمحوا لعمالهم،
أو موظفيهم بالذهاب إلى المسجد للصلاة - في
حال وجود مسجد قريب - فهذا يكون أحسن وأفضل
للجميع.
وإن
المهارة في العمل يمكن أن تزداد إذا تخللت
أوقات العمل الطويلة استراحة يقضيها الإنسان
في الصلاة والمشي إلى المساجد لأدائها،
فالواضح أن هذه الأوقات التي تتخلل ساعات
العمل الطويلة يمكن أن تؤدي إلى زيادة كفاءة
الذهن والجهاز العصبي، بل تساعد على سرعة
اتخاذ القرارات الصحيحة. وفي هذا المجال
أيضًا تزداد كفاءة العضلات بل وقوة تحملهما،
وهكذا تنشط مهارة الشخص وكفاءته في أداء
أعماله.
((ولقد
أوضح دكتور ب. ل. جيدزB.
L. Geddes أن ممارسة بعض التمرينات البدنية
قبل إجراء اختبارات مهنية معينة ترتبط
بالتذكر والملاحظة والتركيز وكفاءة الإنتاج، تؤثر تأثيرًا إيجابيًا)).
وهنا لا
بد من القول من إن إقامة الصلاة في أماكن
العمل - أو في المساجد القريبة - يجب أن يكون
هدفها الأول والأخير هو العبادة. أما آثارها
الإيجابية فإنها تعود على أصحاب العمل
تلقائيًا كنتيجة لإقامة الصلاة.
أثر الصلاة كبناء:
من فوائد
الصلاة البدنية أنها تزيد القوة العضلية والمرونة... الخ، وبذلك يرتفع المستوى
الصحي لكل من العامل والموظف، وينعدم ظهور تشوهات قوامية بسبب المهنة أو الحرفة،
ومن ثَم يرتفع مستوى الإنتاج.
أثر
الصلاة كعلاج:
في الصلاة
يتم تشغيل أجزاء الجسم التي لا يستخدمها العامل في عمله أو الموظف في مكتبه، ومن
ثَم لا تهبط نغمتها العضلية، ولا تفقد
اتزانها العضلي على الجانب الآخر. كما أن
التناوب بين العمل والصلاة يبعد العامل أو
الموظف عن التعب والإعياء الفكري والجسدي.
كما
أن الصلاة إلى الصلاة تصلح ما فسد بينهما من
جسم العامل أو الموظف بسبب أوضاع المهنة، أو
بسبب الجلوس الطويل، الذي لو ترك دون علاج
لازداد واستفحل وأصبح عيبًا وتشوهًا قواميًا.
ولو
أن كل صاحب مصنع أو شركة أو متجر... الخ، يخصص
مكانًا لصلاة الجماعة في مكان العمل، ويسمح
لعماله أو موظفيه بأداء الصلاة في أوقاتها،
ويشجِّع غير المصلين من المسلمين على أدائها، لكان ذلك خيرًا له وللمصلي ولعادت
الفائدة على صاحب العمل وعلى إنتاجه كما سبق وأوضحت، وإلا فهم خاسرون بالتأكيد؛ ذلك
لأن العامل أو الموظف حين يشعر بالتعب والألم تقل كفاءته ويقل إنتاجه ومن ثَََم تعود الخسارة على صاحب
العمل وهذا أقل ما فيه، وأما ما فيه من معصية
الله بترك الصلاة وعدم التشجيع على إقامتها
فأمر وراء ذلك.
الصلاة وقاية علاج لتشوهات القوام:
إننا
إذا نظرنا إلى التمارين الآتية التي يصفها
الأطباء
كعلاج لبعض تشوهات القوام نلاحظ أنها حركات مشابهة
لهيئات الصلاة وحركاتها. [انظر صفحة
التشوهات القوامية]
|