الجواب:
أولاً علينا التفريق بين القتال في التدريب وبين القتال في
المباريات والبطولات. فبالنسبة للقتال في التدريب فإن فن الكاراتيه هو من
الوسائل التي يحث عليه الإسلام لأنه من إعداد القوة التي أمر الله بها في
قوله تعالى: ﴿وأعِدُّوا لهم ما
استطعتم من قوة﴾
[الأنفال: 60]
وقد فسر رسول
الله صلَّى الله عليه وسلَّم القوة
بقوله:
«ألا إن القوة الرمي، إلا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي» [أخرجه مسلم] والرمي يمكن أن يكون بالقوس
ويمكن أن يكون باليد والرجل أيضًا، وفي
الحديث فضيلة الرمي وممارسة الرياضات
القتالية؛ ولا ننسى أن النبي
صلَّى الله
عليه وسلَّم
قد أخبر بأن:
«المؤمن القوي خير وأحب إلى
الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍ خير»؛ فالله سبحانه يحب من المؤمن
أن يكون قويًّا ليكون قادرًا على الجهاد لإعلاء
كلمة الله، ونشر الإسلام، والأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر.
وكما أن إجادة الرمي بالقوس والمبارزة بالسيف تحتاج إلى تدريب فكذلك القتال
في الكاراتيه يحتاج إلى تدريب مع الزملاء
بروح إسلامية أخوية وبنية
حسنة هي إجادة القتال ليصبح قويًا كما يحب الله، وإفادة الزملاء بعضهم بعضًا وهم مسرورون وراضون
بهذا التدريب على القتال الذي يجب أن يكون بين الزملاء على هذه النية
للأغراض الشرعية المذكورة آنفًا، وليس بنية إلحاق
الأذى ببعضهم بعضًا أو انتصار أحدهم على آخر.
أما بالنسبة للقتال في البطولات فهو أمر
آخر مختلف وفيه ورد الكلام بعدم الجواز وهناك فتوى بالتحريم تخص الملاكمة صادرة عن المجمع الفقهي الإسلامي لرابطة العالم الإسلامي، وقد ورد في هذه الفتوى فقرة وهي كالآتي:
«يرى مجلس المجمع بالإجماع أن
الملاكمة المذكورة التي أصبحت تمارس فعلاً في حلبات الرياضة والمسابقة في
بلادنا اليوم هي ممارسة محرمة في الشريعة الإسلامية لأنها تقوم على أساس
استباحة إيذاء كل من المتغالبين للآخر إيذاء بالغًا في جسمه قد يصل به إلى
العمى أو التلف الحاد أو المزمن في المخ أو إلى الكسور البليغة، أو إلى
الموت، دون مسؤولية على الضارب، مع فرح الجمهور المؤيد للمنتصر، والابتهاج
بما حصل للآخر من الأذى، وهو عمل محرم مرفوض كليًا وجزئيًا في حكم الإسلام»؛ فإذا كان ما يجري في بطولات الكاراتيه مثل هذه الأمور
فينطبق
عليها هذا الحكم أيضًا وإن اختلفت الصورة؛ كما قال المجمع الفقهي بشأن المصارعة: «وأما المصارعة الحرة
التي يستبيح فيها كل من المتصارعين إيذاء الآخر والإضرار به. فإن المجلس
يرى فيها عملاً مشابهًا تمام المشابهة للملاكمة المذكورة وإن اختلفت
الصورة؛ لأن جميع المحاذير الشرعية التي أشير إليها في الملاكمة موجودة في
المصارعة الحرة التي تجري على طريقة المبارزة وتأخذ حكمها في التحريم».
ولهذا يجب على المنظمين للبطولات أن يجدوا الحلول المتوافقة مع الشرع بحيث
تكون خالية مما ورد في الفتوى من المحاذير الشرعية.
وهناك أمر آخر خطير يُرتكب في البطولات ولا ينتبه إليه أكثر الناس وهو صورة
من صور الميسر (القمار)؛ إذ إن صورة القمار هي أن يضع كل لاعب مبلغًا من
المال ويلعبون؛ ثم تكون النتيجة أن يذهب هذا المال إلى بعضهم ويخسر الآخرون
أموالهم. وهذه الصورة موجودة في البطولات حيث يدفع كل لاعب مبلغًا من المال
يسمونه (رسم اشتراك) وقد أخذوا هذه الطريقة من غير المسلمين وعملوا بها ولم
يعرضوها على الشرع ليعرفوا إن كانت
حلالاً أو
حرامًا؛ ثم يلعب اللاعبون فتكون النتيجة أن تذهب الأموال التي اشتريت بها
كؤوس وميداليات
إلى بعض اللاعبين ويخسر الآخرون المباريات والمال أيضًا. وقد قرر مجمع الفقه
الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي ما يلي:
«أولاً: تعريف المسابقة: المسابقة هي المعاملة التي تقوم على المنافسة بين
شخصين فأكثر في تحقيق أمر أو القيام به بعوض (جائزة)، أو بغير عوض (جائزة).
ثانيًا: مشروعية المسابقة: (1) المسابقة بلا عوض (جائزة) مشروعة في كل أمر
لم يرد في تحريمه نص ولم يترتب عليه ترك واجب أو فعل محرم. (2) المسابقة
بعوض جائزة إذا توفرت فيها الضوابط الآتية: أ- أن تكون أهداف المسابقة
ووسائلها ومجالاتها مشروعة. ب- ألا يكون العوض (الجائزة) فيها من جميع
المتسابقين. ج- أن تحقق المسابقة مقصدًا من المقاصد المعتبرة شرعًا. د- ألا
يترتب عليها ترك واجب أو فعل محرم.
ثالثًا: بطاقات (كوبونات) المسابقات التي تدخل قيمتها أو جزء منها في مجموع
الجوائز لا تجوز شرعًا؛ لأنها ضرب من ضروب الميسر...».
فهكذا نرى أنه لا يجوز أن تكون جوائز المسابقات (البطولات) من كؤوس
وميداليات وغيرها من أموال المتسابقين أو يدخل في قيمتها جزء من أموالهم
التي دفعوها كرسوم اشتراك؛ لأنها ضرب من ضروب القمار.
وههنا نصيحة أحب أن أوجهها إلى
المسؤولين
عن تنظيم البطولات في الفنون القتالية المختلفة -وهي بالطبع نصيحة لن يكترث
لها إلا من لديه ورع وخوف من الله ومن العقاب يوم الحساب ويقدم دينه على
فنه القتالي- بأن يتحروا الحلال ويعملوا وفقه، ويزيلوا الحرام ويتجنبوا
شبهة القمار في البطولات. ويوجد عدة طرق لتجنب ذلك وتدور حول إيجاد طرف
ثالث غير مشارك في المباريات كما هو الحال في سباقات الخيل في المملكة
العربية السعودية حيث تكون الجائزة من طرف ثالث: مرجع رسمي، وزارة، شركة
خاصة... إلخ وليس من المتسابقين أو من أصحاب الخيول أنفسهم:
- إيجاد ممولين للبطولة
لا يكونوا من المتسابقين
يغطون فيها جميع النفقات؛ ويستغني المنظمون بذلك عن أخذ رسم اشتراك من
المتسابقين. وهذا هو أفضل الأحوال لتجنب الحرام والميسر.
-
إيجاد ممولين للبطولة
لا يكونوا من المتسابقين
يغطون فيها جزء من النفقات؛ فيشترون بهذه الأموال جميع الجوائز المقدمة
للمتسابقين. أما بقية التكاليف فيمكن تقسيمها على المراكز والأندية
والمدربين الذين يشارك لاعبوهم في البطولة. وتدفع هذه الأموال على الأشياء
التي تشمل الجميع من سكن
وطعام
ونقل وإعلانات وغير ذلك.
- إذا أصر المنظمون على تحصيل رسم اشتراك من المتسابقين؛ فلا يُشترى بأي
جزء من هذه الرسوم أي جائزة ستقدم لفائز، بل تصرف على الأشياء التي تشمل
الجميع من سكن وطعام ونقل وإعلانات وغير ذلك، أما الجوائز فلا بد أن تكون من طرف
ثالث غير المتسابقين.
-
إذا أصر المنظمون على تحصيل رسم اشتراك من المتسابقين ولم يكن هناك نفقات
على سكن وطعام ونقل وما شابه ذلك، فيُشترى نوع من الجوائز: كأس، ميدالية،
ساعة... إلخ يكون سعر الواحدة منها المبلغ نفسه الذي دفعه المتسابق بالتمام
والكمال دون نقصان، وفي نهاية البطولة تُسلَّم هذه الجائزة إلى كل متسابق
دفع رسم الاشتراك بغض النظر عن الفائز والخاسر. وإن كان هناك رغبة في تمييز
الفائزين في البطولة بجوائز إضافية: كأس أو غيره، فتُشترى بأموال أطراف
أخرى غير المتسابقين.
وهذا هو
أضعف الأحوال، وليس وراء ذلك إلا الحرام والميسر
إذا اشترى المنظمون برسوم اشتراكات المتسابقين أو بجزء منها جميع الجوائز
أو بعضها.
أما فيما يتعلق بضرب الوجه؛ فيمكن التخفيف
من ذلك وهو أقل الحلول بأن يعتمر اللاعب واقي الرأس ليمنع اللمس المباشر
للوجه وليكون حائلاً بين رِجل الضارب ووجه المضروب. وهذا معمول به في بطولات
فنون قتالية عديدة، بل حتى الفنون القتالية الشديدة مثل الكيوكوشن يستخدمون واقيات
الرأس وغيرها في معظم أنواع البطولات مثل: بطولة كبار السن، وبطولة الصغار،
وبطولة النساء.. لماذا؟ لكي يتجنبوا حدوث الأضرار والأذى باللاعبين
المتسابقين، مثل
تلك التي ذكرها المجمع الفقهي في قراراته وحكم بالتحريم بسببها.
وبالجملة؛ فنحن هنا أما أحكام شرعية غير
قابلة للجدل والنقاش، أو طرح الآراء والأهواء الشخصية؛ لأنه إذا حكم الشرع
في مسألة فليس أمام المسلمين المؤمنين سوى أن يقولوا: سمعنا وأطعنا.
ويبادروا إلى التطبيق ويغيروا ويبدلوا في أنظمة بطولاتهم لتكون متوافقة مع
الشرع. وما سبق من الكلام لا يختص بفن الكاراتيه فقط وإنما ينطبق على جميع
الفنون القتالية.
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه
وسلَّم تسليمًا. |