الرئيسة | الرسائل

رسالة عدنان الطَرشَة إلى أهل الفنون القتالية

----------------------------------

الإسلام والفنون القتالية

---------------------

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

إخواني مدربي وطلاب الفنون القتالية

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

مهنة تدريب الفنون القتالية:

--------------------------

إن من أصعب الأمور التي يمكن لإنسان ما أن يواجهها في حياته؛ هو أن يكون قد تعلم حرفة ما وأصبح خبيرًا بها ويكون رزقه الوحيد منها، ثم يهديه الله عزَّ وجلَّ إلى الالتزام بالإسلام، فيكتشف أن حرفته متعارضة مع الشرع الإسلامي بل محرمة، وهنا يمكننا أن نتخيل مهنًا ووظائف كثيرة من التي توضع في خانة المحرمات، وكذلك يمكننا أن نتخيل الظروف الصعبة التي سوف تحيط بشخص أمضى سنين كثيرة في تعلم حرفة ما أو عمل في وظيفة ما وتقدم بها، ثم اكتشف أنه يجب عليه أن يغيرها لكونها محرمة.

أما مهنة تدريب الفنون القتالية، فالحمد لله أنها لا تتعارض مع الشرع، بل نحمد الله عزَّ وجلَّ على أنها من الأمور التي أمر الإسلام بتعلمها وممارستها والمواظبة عليها مدى الحياة، فكيف يكون ذلك؟

قبل الدخول في الموضوع الأساسي لا بد من ذكر شيءٍ مهم وهو أنه ليست معظم الفنون القتالية بحد ذاتها متوافقة مع الشرع فحسب، بل حتى لباسها المخصص لها متوافق مع الشرع ونحمد الله تعالى أيضًا على أن لباسها ليس لباسًا محرمًا يكشف العورة مثل بعض الرياضات. ولكن يوجد بعض الأشياء القليلة التي لا تتوافق مع ديننا، فمثلاً التحية، فهي في الأساس ليست جزءًا لا يتجزأ من فن الكاراتيه الياباني -على سبيل المثال- وإنما هي من آداب اليابانيين العاديين وهي موجودة في المدارس العادية والمصانع والشركات وغير ذلك من الأماكن، والناس العاديون يؤدونها لبعضهم بعضًا حتى في الشوارع والأماكن العامة في حين أنهم لا يمارسون الكاراتيه. وهناك أيضًا القَسَم الذي أدخلوا فيه أيضًا شيئًا من تعاليم ديانتهم المسماة (الشنتو)، ونحن المسلمون نستطيع أن نحذف آداب اليابانيين ونضع الآداب الإسلامية، وهذا ما فعلته في الواقع في دروسي، حيث أضفت إلى بداية الدرس ونهايته آدابًا إسلامية مثل دعاء بداية الدرس الذي أردده ويردده كل طالب وهو: البسملة والتحميد، والصلاة على النبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم، وفي نهاية الدرس نردد دعاء كفارة المجلس وهو: «سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك». ومثال آخر: فالياباني يعد باليابانية لأنها لغته وكذلك الكوري والصيني وغيرهم يعدون بلغتهم وليس لأن هذا العد جزء لا يتجزأ من فنونهم القتالية. وهكذا يمكن للعربي أيضًا أن يعد بالعربية التي هي لغته. وهكذا يكون الأمر بالنسبة لما في الفنون القتالية الأخرى الكورية والصينية والتايلندية وغيرها… من الآداب والطقوس التي تخص جنسية ودين تلك البلدان والشعوب وليست فنًا قتاليًا بحد ذاتها.

وندخل الآن في الموضوع الأساسي عن الفنون القتالية بصفتها فن عسكري قتالي وكيف أن الإسلام يأمر بتعلمها وممارستها...

الإسلام يأمر بممارسة الفنون القتالية:

-----------------------------------

أولاً: قال الله تعالى: ﴿وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ[1]. ونلاحظ في هذه الآية أن الله تعالى لم يقل: وأعدوا لهم القوة، يعني منتهى القوة، وإنما قال تعالى: ﴿وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ أي على المسلمين سواء أكانوا أفرادًا أم جماعات أم دولاً أن يعدوا لأعدائهم ما يستطيعون وما يقدرون عليه من قوة، وإن أول قوة على المسلم أن يعدها طاعة لهذا الأمر الإلهي هي قوة البدن ومهارة القتال.   

وقد خطب رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ذات يوم على المنبر فقال: «وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي»[2]. فقد فسرَّ النبي القوة بالرمي، وإذا كان الرمي قديمًا قد كان بواسطة القوس والسهام، فلا يختص الرمي بها، بل يمكن أن يكون بأي سلاح يُرمى به كالأسلحة التي في زماننا من مسدس أو رشاش التي ترمي الرصاص، أو غير ذلك من الأسلحة الحربية كالطائرات القاذفة والمدافع والصواريخ ونحوها. وكذلك الرمي يكون باليد والرجل كما هو الحال في قتال الفنون القتالية، فكل ذلك يندرج تحت مسمى الرمي. وقد كان النبي يحب الرمي، وما يقال في حق الرمي ينطبق أيضًا على الفنون القتالية.

وقال رسول الله : «المؤمن القوي خيرٌ وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍ خير»[3]. نلاحظ أن النبي قد ساوى بين الرجلين في الإيمان حيث يقول: المؤمن القوي، المؤمن الضعيف، إذًا، هما من حيث الإيمان متساويان، ولكن ما هو الفرق بينهما الذي هو خير وأحب إلى الله؟ إنه القوة. فمؤمن قوي هو خير وأحب إلى الله من مؤمن ضعيف.

إن منفعة المؤمن الضعيف تعود عليه وحده وربما على عائلته، فمنفعته إذًا على نطاق ضيق محدود، أما منفعة المؤمن القوي فهي على نطاق واسع، وتتعدى نفسه وعائلته إلى أن يكون نافعًا لمجتمعه ولأمته ولدينه، فالله عزَّ وجلَّ كما يريد من المسلم أن يكون قويًا في إيمانه وروحه ونفسه، فكذلك يريده أن يكون قويًا في بدنه، حتى يقوى على نشر دين الله، والجهاد في سبيل الله، لإعلاء كلمة الله، ولهذا كان المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف.

وحتى يكون المسلم قويًا في بدنه لا بد له من تعلم وممارسة الوسيلة المناسبة لتحقيق هذه الغاية، وإن من أهم الوسائل لتحقيق هذه الغاية هي الفنون العسكرية القتالية، ولهذا كانت هذه الفنون من الأمور التي يحث عليها الإسلام ويأمر بها مثل أي فنون قتالية أخرى كانت معروفة في زمن النبي عليه الصلاة والسلام. 

النبي قدوة:

------------------

وقد كان النبي القدوة الحسنة لنا في ذلك، فقد كان عليه الصلاة والسلام يمارس أنواعًا متعددة من الرياضة، فإضافة إلى الجري والفروسية والرماية التي كان يمارسها ، كان عليه الصلاة والسلام يمارس أيضًا المصارعة، والمصارعة كما تعرفون هي نوع من أنواع القتال المشابه للفنون القتالية، وما يُذكر في شأنها ينطبق أيضًا على الفنون القتالية المختلفة، قال ابن كثير في تفسيره: «روى أبو بكر الشافعي بإسناد جيد، عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن يزيد بن ركانة صارع النبي ، فصرعه النبي ثلاث مرات، كل مرة على مئة من الغنم، فلما كان في الثالثة قال: يا محمد، ما وضع ظهري إلى الأرض أحد قبلك، وما كان أحد أبغض إليَّ منك، وأنا أشهـد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله. فقام عنه رسول الله ورد عليه غنمه»[4].

فنحن هنا أمام واقعة وهي هذا المقاتل العربي يزيد بن ركانة المشهور بأنه لا يستطيع أحد أن يهزمه أو يطيحه أرضًا، وقد دخل مع النبي في مباراة قتالية من ثلاث جولات، كلما هزمه النبي في جولة أعاد الجولة حتى بلغت ثلاث جولات مقابل أن يأخذ المنتصر مئة رأس من الغنم عن كل جولة، ولكن النبي أعاد له الغنم. وهنا عندما أيقن أن محمدًا ليس رجلاً عاديًا  - وإلا لما كان هزمه وأطاحه أرضًا وإنما هو نبي ورسول - أسلم ونطق بالشهادتين.

بل إن النبي قد سمح لأبناء الحبشة بممارسة الألعاب والنشاطات البدنية حتى في مسجده الشريف، وهو ينظر إليهم مع زوجه عائشة، رضي الله عنها؛ فتقول: «والله! لقد رأيت رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقوم على باب حجرتي. والحبشةُ يلعبون بحرابهم. في مسجد رسول الله . يسترني بردائه. لكي أنظر إلى لَعِبِهم. ثم يقوم من أجلي. حتى أكون أنا التي أنصرف»[5]. وهنا نرى أن رسول الله قد سمح في أن يتحول مسجده الشريف إلى صالة لممارسة الفنون القتالية؛ وما ذلك إلا لأن الإسلام يحث عليها ويأمر بتعلمها وممارستها.

مباراة قتالية:

------------

وهذه الآن قصة قد حصلت مع النبي ويشبه حالها حال الفنون القتالية ومبارياتها، وهي تعبر جيدًا عن مدى موافقة الفنون القتالية للشرع، وكون الإسلام يأمر بها. روى الطبراني فقال: كان النبي يعرض غلمان الأنصار في كل عام، فمن بلغ منهم بعثه، فعرضهم ذات عام فمر به غلام فبعثه في البعث، وعُرِض عليه سمرةَ بن جُندب من بعده فرده، فقال سمرة: يا رسول الله! أجزت غلامًا ورددتني، ولو صارعني لصرعته، قال: «فدونك فصارعه» قال: فصرعته فأجازني في البعث.

فنحن هنا أمام النبي وهو يستعرض الغلمان ليرسلهم في البعوث للجهاد في سبيل الله، فيمر أمامه غلام فيختاره، ثم يمر بعده سمرة فلا يختاره، فيحزن سمرة لذلك ويراجع النبي في الأمر ويقترح أن تُجرى بينه وبين ذاك الغلام مباراة قتالية ليثبت فيها للنبي أنه أقوى من ذاك الغلام الذي اختاره، وهكذا يأذن النبي بإجراء مباراة انتصر فيها سمرة فاختاره النبي أيضًا كما كان سمرة يحب.

لقد تضمنت هذه القصة عدة فوائد تنطبق على الفنون القتالية ومبارياتها.

أولاً: أن النبي كان يسمح ويشجع على المصارعة والقتال.

ثانيًا: أن النبي كان حكمًا في هذه المباراة. وحدد فيها الفائز واختاره.

ثالثًا: جواز عمل مباراة بين اثنين لتحديد المتفوق فيها.

رابعًا: جواز إعطاء جائزة للمتفوق في المباراة. وهي في هذه القصة تلبية طلب سمرة في بعثه مع البعوث. ومن ناحية أخرى فإن هذه المباراة تشبه ما يحصل أحيانًا في اختيار أعضاء فريق الفنون القتالية المشارك في بطولة ما، حيث يكون هناك مجموعة من المرشحين أكثر من العدد المطلوب، فيُجري المدرب مباريات فيما بينهم؛ فمن يفوز يشارك في البطولة؛ وبذلك يرتفع الإشكال، ويمتنع حدوث أي سوء تفاهم.

والفائدة الخامسة، وهي مسألة على المدربين أن ينتبهوا إليها جيدًا: فالنبي وهو خير البشر، وخاتم الأنبياء والمرسلين، يراجعه غلام صغير في مسألة فيستجيب له النبي الرؤوف الرحيم ويتواضع له ويحقق له رغبته. فعلى المدرب أن يقتدي بالنبي ويكون متواضعًا مع طلابه وإن كانوا صغار السن، وأن لا يتردد في الاستماع إلى آرائهم واقتراحاتهم واستفساراتهم وأن يستجيب إلى ما فيه فائدة لهم. فربما يأتيك أحدهم بفكرة لم تخطر على بالك. وربما أحدهم يكون سببًا في جعلك تعتمد طريقة معينة في التدريب لمن هم في مثل سنه.

ختام:

----

وهكذا إخواني المدربين والطلاب نرى أن الإسلام يحث على تعلم الفنون القتالية وممارستها والاعتناء بذلك والمواظبة عليها أيضًا، وأن يكون تعلمها وممارستها بنية شرعية صحيحة... والمراد هو التمرن على القتال واكتساب الخبرات القتالية وتقوية الجسم، فالله تبارك وتعالى يحب من المؤمن أن يكون قوي النفسِ والبدنِ جميعًا حتى يقوى على نشر دينه والجهاد في سبيله وإعلاء كلمته ومحاربة أعداء الدين والدفاع عن بلاد الإسلام وتحرير أراضيه.

وههنا أمانة تقع على عاتق المدربين وهي أن يوصلوا هذه المفاهيم إلى طلابهم ولاعبيهم، وأن يغرسوها في نفوسهم.

وختامًا أسأل الله تعالى أن يوفقنا إلى ما يحبه ويرضاه، وأن يعلمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علَّمنا، وأن ينفع بنا غيرنا من المسلمين، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلَّم تسليمًا.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أخوكم

عدنان الطَرشَة


[1] سورة الأنفال، الآية: 60.

[2] أخرجه مسلم في كتاب الإمارة، باب: فضل الرمي والحث عليه.

[3] أخرجه مسلم في كتاب القدر، باب الإيمان للقدر والإذعان له.

[4] ابن كثير: البداية والنهاية 4/256.

[5] أخرجه مسلم في كتاب صلاة العيدين، باب الرخصة في اللعب الذي لا معصية فيه، في أيام العيد.

رابط الموضوع في موقع عدنان الطرشة: الإسلام والفنون القتالية

لتنزيل الملف pdf: الإسلام والفنون القتالية