الرئيسة  |  الموقع الإسلامي                                                          

الحياة بعد الموت

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين. أما بعد،

فقد نشرت وسائل الإعلام المختلفة مؤخرًا في شهر جمادى الآخرة من العام الهجري 1438 الموافق لشهر مارس 2017 تقريرًا عن تمكن علماء وأطباء في كندا من التقاط أول دليل علمي ملموس على وجود حياة ثانية للإنسان بعد الموت، وأن الوفاة ليست نهاية المطاف بالنسبة للبشر. حيث نجح الأطباء لأول مرة في رصد موجات إلكترونية لم يفهموها في دماغ أحد المتوفين الذي ظل في نشاط مستمر لمدة عشر دقائق بعد أن توقف قلبه بشكل كامل عن العمل ودخل في حالة موت كاملة؛ وهو ما دفعهم إلى الاستنتاج بأن الشخص المتوفى قد يكون فقد التواصل مع من حوله لكنه دخل في حياة جديدة مختلفة تمامًا.

هذه هي خلاصة التقرير والحقيقة التي يخبروننا عنها، ولو كان لهؤلاء علم بسيرة رسول الله صلَّى الله عليه وآله وصحبه وسلَّم وطالعوا قصة غزوة بدر وماذا فعل النبي مع قتلى المشركين وكيف خاطبهم وهم أموات وماذا قال لهم لعلموا أن النبي قد أخبرنا بهذه الحقيقة منذ أكثر من ألف وأربع مئة عام.. مما يجب أن يدعوهم ذلك إلى الإيمان بأن النبي محمد هو خاتم الأنبياء والرسل وبأن الإسلام هو آخر الأديان الذي على جميع الناس أن يعتنقوه ويتبعوا تعاليمه.

فماذا في قصة غزوة بدر وماذا قال النبي لقتلى المشركين مما جعل صحابته يستغربون كلامه للأموات؟

بعد أن نصر الله رسوله ومن معه من المسلمين في غزوة بدر على المشركين في السنة الثانية للهجرة، توجه النبي إلى البئر ويسمى (القليب) الذي جمعوا فيه قتلى المشركين واطلع عليهم ثم قال: «وجدتم ما وعد ربكم حقا؟». فقيل له: تدعو أمواتًا؟ فقال: «وما أنتم بأسمع منهم، ولكن لا يجيبون»[1]. وهذا تمامًا ما استنتجه الأطباء عن فقد الميت التواصل مع من حوله.

وقد أشار الأطباء إلى أنهم لم يفهموا بشكل كامل وواضح ما هو النشاط الذي يقوم به الدماغ بعد الوفاة، وما الذي يجري للميت بعد وفاته، لكنهم رصدوا شيئًا ما قد يشكل دليلاً قاطعًا على الحياة بعد الموت. وهنا أذكر لهم حديث النبي الذي سوف يجيبهم عن الذي لم يفهموه وعن الذي يجري للميت بعد وفاته مباشرة؛ قال رسول الله : «إن الميت تحضره الملائكة، فإذا كان الرجل صالحًا قال: اخرجي أيتها النفس الطيبة كانت في الجسد الطيب، اخرجي حميدة، وأبشري بروح و ريحان، ورب غير غضبان، فلا يزال يقال لها ذلك حتى تخرج، ثم يعرج بها إلى السماء، فيستفتح لها، فيقال: من هذا؟ فيقول: فلان، فيقال: مرحبًا بالنفس الطيبة، كانت في الجسد الطيب، ادخلي حميدة، وأبشري بروح وريحان، ورب غير غضبان، فلا يزال يقال لها ذلك حتى يُنتهى بها إلى السماء التي فيها الله تبارك وتعالى. فإذا كان الرجل السوء قال اخرجي أيتها النفس الخبيثة، كانت في الجسد الخبيث، اخرجي ذميمة، وأبشري بحميمٍ وغساق، وآخر من شكله أزواج، فلا يزال يقال لها ذلك حتى تخرج، ثم يعرج بها إلى السماء، فيستفتح لها، فيقال: من هذا؟ فيقال: فلان، فيقال: لا مرحبًا بالنفس الخبيثة، كانت في الجسد الخبيث، ارجعي ذميمة، فإنها لا تفتح لك أبواب السماء، فترسل من السماء، ثم تصير إلى القبر; فيجلس الرجل الصالح في قبره، غير فزعٍ ولا مشعوف ثم يقال له: فيم كنت؟ فيقول: كنت في الإسلام، فيقال له: ما هذا الرجل؟ فيقول: محمد رسول الله جاءنا بالبينات من عند الله فصدقناه، فيقال له: هل رأيت الله؟ فيقول: ما ينبغي لأحد أن يرى الله، فيفرج له فرجة قبل النار، فينظر إليها يحطم بعضها بعضًا، فيقال له: انظر إلى ما وقاك الله تعالى، ثم يفرج له فرجة قبل الجنة، فينظر إلى زهرتها، وما فيها، فيقال له: هذا مقعدك، ويقال له: على اليقين كنتَ، وعليه متَ، وعليه تُبعث إن شاء الله. ويجلس الرجل السوء في قبره فزعًا مشعوفًا، فيقال له: فيم كنت؟ فيقول: لا أدري، فيقال له: ما هذا الرجل؟ فيقول: سمعت الناس يقولون قولاً فقلته! فيفرج له فرجة قبل الجنة، فينظر إلى زهرتها وما فيها، فيقال له: انظر إلى ما صرف الله عنك، ثم يفرج له فرجة إلى النار، فينظر إليها يحطم بعضها بعضًا فيقال: هذا مقعدك، على الشك كنتَ، وعليه متَ، وعليه تبعث إن شاء الله»[2].

نعم هناك حياة بعد الموت.. بل الحياة الدائمة الحق التي لا زوال لها هي التي بعد الموت في الآخرة وليست في هذه الحياة الدنيا الحقيرة الزائلة التي لا دوام لها، كما قال تعالى: ]وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ[[3]. وهنا أسأل هؤلاء العلماء والأطباء وغيرهم من أهل الغرب فماذا أنتم فاعلون بعد اكتشافكم بأن هناك حياة بعد الموت، وماذا ستعدون لها خاصة بأن ما يجري للميت بعد وفاته هو سؤال الملكين له: «يا هذا من ربك وما دينك ومن نبيك؟»[4]، فهل ستجيبون كما يجيب المؤمن: ربي الله وديني الإسلام ونبيي محمد ؛ فيكون جزاؤه الجنة؟ أم ستجيبون كما يجيب الكافر: هاه هاه لا أدري؛ فيكون جزاؤه النار؟

على العموم إن هذا الاكتشاف ليس الأول ولن يكون الأخير مما جاء به القرآن والإسلام منذ أكثر من ألف وأربع مئة سنة، فقد قال الله تعالى: ]سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ[[5]. فسوف يستمر يومًا بعد يوم ظهور الأدلة المادية الملموسة حتى يتبين للناس أن القرآن هو كتاب الله الحق المنـزل على خاتم أنبيائه ورسله محمد ، وأن الإسلام هو الدين الحق الذي سوف يظهره الله على سائر الأديان، شاء من شاء، وأبى من أبى، قال الله تعالى: ]هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ[[6]. وقال رسول الله : «ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين، بعز عزيز، أو بذل ذليل، عزًا يعز الله به الإسلام، وذلاً يذل به الكفر»[7].

وختامًا أدعو الله العلي القدير أن يتوفانا على الإيمان، وأن يحسن خاتمتنا، وأن يجعلنا من الذين يقال لهم: اخرجي أيتها النفس الطيبة كانت في الجسد الطيب، وأن يثبتنا عند سؤال الملكين في القبر، وأن يعيذنا من عذاب القبر، إنه ولي ذلك والقادر عليه. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلَّم تسليمًا.

 

عدنان الطَرشَة


[1] البخاري 1304.

[2] صحيح الجامع 1968.

[3] سورة العنكبوت: 64.

[4] صحيح سنن أبي داود 3979.

[5] سورة فصلت: 53.

[6] سورة التوبة: 33.

[7] سلسلة الأحاديث الصحيحة، رقم: 3.

تنزيل المقال pdf